للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترك الزينة والمفاخر من الآلة والأثاث الذي يستأنس فيه المترفون، ومن الزهد أن يكون الشيء الواحد يستعمل في أشياء كثيرة، كذلك كان سيرة السلف في الأثاث وهو التقلّل، كما أن أبناء الدنيا يستعملون للشيء الواحد أشياء كثيرة؛ وهو وصف من التكاثر وذلك من أبواب الدنيا، وقال بعض السلف: أول النسك الزي، وقال بعض العلماء: من رقّ ثوبه رقّ دينه، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لا يشبه الزيّ الزيّ حتى يشبه القلب القلب.

وفي الخبر المشهور: البذاذة من الإيمان قيل: هو التقارب في اللباس، والحديث المفسر من ترك ثوب جمال وهو يقدر عليه تواضعًا لله تعالى خيّره الله تعالى من حلل الإيمان أيها شاء، وفي لفظ آخر: من ترك زينة لله تعالى ووضع ثيابًا حسنة تواضعًا لله تعالى وابتغاء وجهه كان حقًا على اللّّه تعالى أن يدّّخر له من عبقريّ الجنة في تخات الياقوت، ولما أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل قباء أتوه بشربة من لبن مشوبة بعسل، فوضع القدح من يده قال أما أني لست أحرمه ولكني أتركه تواضعاً لله تعالى وأتى عمر رضي اللّّه عنه بشربة من ماء بارد وعسل في يوم صائف فقال: اعزلوا عني حسابها، وأوحى الله تعالى إلى نبّي من أنبيائه: قل لأوليائي: لا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تدخلوا مداخل أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي، ولما خطب بشر بن مروان على منبر الكوفة قال بعض الصحابة: انظروا إلى أميركم يعظ الناس وعليه ثياب لفساق قلت: وما كان عليه، ثياب رقاق، وجاء عامر بن عبد الله بن ربيعة إلى أبي ذر رضي الله عنه في بزتّه فجعل يتكلم في الزهد فوضع أبو ذر راحته على فيه وجعل يضرط به فغضب عامر فأتى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: ألم ترَ ما لقيت من أخيك أبي ذر قال وما ذاك؟ قال: جعلت أقول في الزهد فأخذ يهزأ بي فقال ابن عمر: أنت صنعت بنفسك تأتي أبا ذر في هذه البزة وتتكلم في الزهد.

وقال عليّ كرّم الله وجهه: إن الله تعالى أخذ على أئمة الهدى أن يكونوا في مثل أدنى أحوال الناس ليقتدي بهم الغنيّ ولا يزري بالفقير فقره، وقد عوتب عمر رضي الله في لباسه وكان يلبس الخشن من القطن قيمة قميصه ثلاثة دراهم وخمسة دراهم ويقطع ما فضل عن أطراف أصابعه وقال هذا أدنى إلى التواضع وأجدر أن يقتدي بي المسلم، وأتت برود من اليمن إلى عمر رضي الله عنه فقسمها على أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بردًا بردًا، ثم صعد المنير بوم الجمعة فخطب الناس في حلّة منها والحلّة عند العرب ثوبان من جنس واحد، وكان ذلك من أحسن زيّهم فقال: ألا اسمعوا ألا اسمعوا، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>