وعظ فقام سلمان فقال: والله لا نسمع والله لا نسمع قال: وما ذاك؟ قال: لأنك قد أعطيتنا ثوبًا ثوبًا ورحت في حلّة فقد تفضّلت علينا بالدنيا، فتبسم ثم قال: عجلت يا أبا عبد الله رحمك الله إني كنت غسلت ثوبي الحلق فاستعرت برد عبد الله بن عمر فلبسته مع بردي: فقال سلمان: قل الآن حتى نسمع ونهى وسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن التنعّم وقال: إن عباد الله تعالى ليسوا بالمتنعمين ورؤي فضالة بن عبي وهو والي مصر أشعث حافيًا فقيل له: أنت الأمير وأنت هكذا فقال: نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأرفاه وأمرنا أن نحتفي أحيانًا.
وروينا أن عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال: أنشد الله رجلاً علم فيّ عيباً لا أخبرني به، فقام شابّ فقال: فيك عيبان اثنان قال: وما هما رحمك اللّّه؟ قال: تذيل بين البردين وتجمع بين الأدمين قال: فما أذال بين البردين وما جمع بين الأدمين حتى لقي الله تعالى، هكذا حدثنا به قال الشيخ: بإسناده يذيل بالذال فمعناه تجمع بين ذيليهما فيتفق ذيل الأعلى على ذيل الأسفل من طول البرد الأعلى وأنا أحسب أن معناه تديل بالدال أي تبدّل أحدهما بآخر دولة ذا ودولة ذا ويصلح أن يكون بالذال من الإذالة أي الوضع يقال: أشل هذا وأذل هذا مثل قول الناس من إذالة العلم أن يجيب العالم عن كلّ ما يسأل عنه كأنه: أراد تضعهما عندك معًا وهو راجع إلى معنى تديل من الدولة، وقال علي لعمر رضي الله تعالى عنهما: إن أردت أن تلحق بصاحبيك فارقع القميص ونكس الأزرار واخصف النعل وكل دون الشبع، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول: اخلولقوا واخشوشنوا وتمعددوا وإياكم وزيّ العجم كسرى وقيصر، وقال علي رضي الله تعالى عنه: من تزيّا بزيّ قوم فهو منهم.
وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أشدّ من هذا أن من شرار أمتي الذي غذوا بالنعيم الذين يطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب ويتشدقون في الكلام، ولما قدم عمير بن سعد أمير حمص على عمر رضي الله عنه قال له: ما معك من الدنيا يا عمير؟ قال: معي عصاي أتوكأ عليها وأقتل بها حية إن لقيتها ومعي جرابي أحمل فيه طعامي ومعي قصعتي آكل فيها وأعسل فيها رأسي وثوبي ومعي مطهرتي أحمل فيها شرابي ووضوئي للصلاة يعني السطيحة، فما كان بعد هذا من الدنيا فهو تبع لما معي فقال له عمر صدقت