للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفعه على الماء والطين.

وقد روينا عن بعض السلف: إذا مقت الله تعالى مال عبد سلّط عليه الماء والطين، وقال يحيى بن يمان رحمه اللّّه: كنت أمشي مع الثوري رحمه الله في طريق فنظرت إلى باب مشيّد قال: لا تنظر إليه فقلت يا أبا عبد الله ما تكره من النظر قال إذا نظرت إليه كنت عوناً له على بنائه لأنه إنمّا بناه لينظر إليه ولو كان كلّ من مرّ به لم ينظر إليه ما عمله وقد قال بعض السلف قبله: ولا تنظر إلى بنيانهم فإنهم إنما زخرفوه لأجلكم وفي قول الله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدُونَ عُلُوًَّا في الأرض وَلا فَسَادًَا) القصص: ٨٣ قيل: حبّ الكثرة والرياسة والتطاول في البنيان، وكذلك قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلّ بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما أكن من حرّ أو برد، وقال للرجل الذي شكا إليه ضيق منزله اتسع في السماء أي في الجنة وهذا أحد التأويلين، والثاني اتسع في المعرفة ولا تطلب اتساع المكان واعلم أن الزهد لا ينقص من الرزق ولكنه يزيد في الصبر ويديم الجوع والفقر فيكون هذا رزقاً للزاهد من الآخرة على هذا الوصف من حرمان نصيبه من الدنيا وحمايته عن التكثر منها والتوسّع فيها ويكون الزهد سببه فيكون ما صرفه عنه ومنعه من الغني والتوسع رزقه من الآخرة والدجات العلى بحسن اختيار من الله تعالى وحيطة نظركما.

حدثنا عن بعض العلماء: أن بقّالاً جاءه فقال: إني كنت أبيع في محلة لا بقّال فيها غيري، فكنت أبيع الكثير ثم قد فتح عليّ بقّال آخر فهل ينقص ذلك من رزقي شيئاً فقال: لا ولكن يزيد في بطالتك عن البيع، فلعله بطّالاً لاعباً يحتجّ لتوسّعه وهواه ويموّه على أبناء الدنيا ممن يتولاه فيقول بأن الزهد في الدنيا لما لم ينقص من رزقي شيئاً قد صح مقاماً لي مع التوسّع والاستكثار وعلى التنعّم والرفاهية والاستئثار لأنّي إنما آكل رزقي وآخذ قسمي فلي في الزهد مقام ومن الرضا والتوكل حال أو يقول: إن الزهد قد يصبح مع التكاثر والزينة يزخرف بقوله على من لا يعرف الزهد ويغرّ بمقالته من لايعرف طريق الزاهدين ولعلّه ممن يأكل الدنيا بالدين أو يزخرف القول ويشبه العلم على الغافلين، فمثله كما قال علي رضي الله عنه للخوارج حين قالوا: لا حكم إلا الله فقال: كلمة حقّ أريد بها باطل وصدق رضوان الله عليه لأنهم أرادوا بذلك إسقاط حكم الأئمة وترك الطاعة للإمام العادل.

كما أراد القائل: إنما آكل رزقي وآخذ من الأشياء قسمي، الاحتجاج لنفسه بهواه والاعتذار عند الجاهلين خيفة لومهم إياه ولا يعلم المغرور بداء الغرور أنه وإن كان يأكل رزقه من الدنيا ويأخذ قسمه من العطاء فبحكم النقص والبعد وبوصف الرغبة والحرص لأن السارق والغاصب أيضًا يأكل رزقه ويأخذ قسمه ولكن بحكم المقت وسوء الاختيار إذا كان الله سبحانه وتعالى يرزق الحرام للظالمين كما يرزق الحلال للمتقين

<<  <  ج: ص:  >  >>