للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلوا بشر بن الحارث، وقال قوم الزهد في الدنيا طلب الحلال وإنه واجب مفترض في مثل زماننا هذا لاختلاط الأشياء وغلبة الشبهات قالوا: فقد تعين فرض الزهد وهذا مذهب إبراهيم ابن أدهم ووهيب بن الورد وسليمان الخواص وجماعة من أهل الشام، وقد كان سهل يقول: أزهد الناس في الدنيا أصفاهم مطعماً، وقال أقصى مقام في الورع أدنى مقام من الزهد.

وقد روينا عن يوسف بن أسباط ووكيع رحمهما الله قالا: لو زهد عبد في زماننا هذا حتى يكون كأبي ذر وأبي الدرداء ما سميناه زاهداً لأن الزهد عندنا إنما هو في الحلال المحض، ولا نعرف الحلال المحض اليوم، وكذلك كان الحسن البصري رحمه الله إمام الأئمة يقول لا شيء أفضل من رفض الدنيا، وقال الفضيل بن ثور قلت للحسن: يا أبا سعيد رجلان يطلب أحدهما الدنيا بحلالها فأصابها فوصل بها رحمه وقدم منها لنفسه ورجل رفض الدنيا، قال: أحبّهما إليّ الذي رفض الدنيا قلت: يا أبا سعيد هذا طلبها بحلالها فأصابها فوصل بها رحمه وقدم منها لنفسه قال: أحبّهما إليّ الذي جانب الدنيا وإنما شرف الحسن الذي رفض الدنيا لأن مقام الزهد يجمع التوكل والرضا ألا تسمع إلى الخبر الذي جاء: الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك فهذا هو التوكّل، ثم قال: وأن تكون بثواب المصيبة أفرح منك ولو أنها بقيت لك وهذا هو الرضا، ثم إن المعرفة والمحبة بعد الزهد داخلان عليه فأي مقام أعلى من مقام جمع هذه الأربعة وهي غاية الطالبين، ولعمري أنه هكذا لأنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما حديث فيه شدة قال: يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية مشوّه خلقها فتشرف على الخلائق فيقال: أتعرفون هذه؟ فيقولون: نعوذ بالله تعالى من معرفة هذه، فيقال: هذه الدنيا التي تفاخرتم عليها بها تقاطعتم الأرحام وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم، ثم تقذف في جهنم فتنادي أي ربّ أتباعي وأشياعي فيقول الله: ألحقوا بها أتباعها وأشياعها.

وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً أشد من هذا حدثنا عن عبد الواحد بن زيد عن الحسن عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليجيئن أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار قالوا: يا رسول الله مصلّين قال: نعم، كانوا يصلون ويصومون ويأخذون هنّة من الليل فإذا عرض لهم شيء من الدنيا وثبوا عليه، وكذلك كان الحرث بن أسد المحاسبي رحمه الله يقول: إنما الزهد إسقاط قيمة الدنيا من القلب وأن لا يكون لشيء عاجل في القلب وزن، فإذا سقطت قيم الأشياء واستوت في القلب فهو الزهد،

<<  <  ج: ص:  >  >>