الأوجاع، وكانت فيهم الأطباء، فهلك المداوي والمداوى ولم تغن الرقي شيئاً، وقد أصاب عبد الواحد بن زيد الفالج فعطل عن القيام، فسأل الله أن يطلقه في أوقات الصلاة ثم يرده إلى حاله بعد ذلك، فكان إذا جاء وقت الصلاة فكأنما أنشط من عقال، فإذا قضى الصلاة رجع إليه الفالج وكما كان قبل ذلك، ومن لم يتداوَ من الصدّيقين والسلف الصالح أكثر من أن يحصى، إلا أنه مخصوص لمخصوصين؛ ألم ترَ أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذكر السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، ثم وصفهم بأنهم لا يكتوون، ولا يسترقون، فقام إليه عكاشة بن محصن الأسدي فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا له، فقام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة، فلم يمنعه من الدعاء بخلاً عليه، إلاّ أنّ طريق الخصوص الأقوياء لا يسلكه العموم الضعفاء، كما أنّ طريق العموم قد زهد فيه الخصوص.
وأعجب ماسمعت قال بعض العارفين: أصفى ما أكون قلباً إذا كنت محموماً، أو من مواجيد العارفين ما حكي لنا أن موسى والخضر عليهما السلام اجتمعا في فلاة من الأرض، فشكا موسى إلى الخضر الجوع فقال له الخضر: اجلس بنا حتى ندعو، فتكلم الخضر بشيء، فأقبل ظبي حتى وقع بينهما نصفين: نصفه إلى الخضر مشويّاً ونصفه إلى موسى نيّئاً، فقال له الخضر: قم فاحمل هموماً كما حملت همومها، فأوقد ناراً واشو نصيبك وكل، قال: فقدح موسى ناراً وأشعل حطباً وسوّى نصيبه، فلما فرغ قال للخضر: كيف وقع نصفه إليك مشويّاً؟ قال: إنه لم يبقَ لي في الدنيا أمل، وقيل عنه أيضاً مرة أخرى: إنه ليس لي في هذه الخلق حاجة، وقد كان مذهب سهل أن ترك التداوي، وأن أضعف عن الطاعات، وقصر عن الفرائض أفضل من التداوي لأجل الطاعات، وكانت به علّة فلم يكن يتداوى منها، وقد كان يداوي الناس منها، وكان إذا رأى العبد يصلّي من قعود، أو لا يستطيع أعمال البرّ من الأمراض، فيتداوى للقيام في الصلاة، والنهوض إلى الطاعة، يعجب من ذلك ويقول: صلاته من قعود مع رضاه بحاله أفضل له من التداوي للقوة، ويصلّي من قيام، وسئل عن شرب الدواء فقال: كلّ من دخل إلى شيء من الدواء فإنما هو سعة من الله لأهل الضعف، ومن لم يدخل في شيء منه فهو أفضل، لأنه إن أخذ شيئاً من الدواء ولو كان الماء البارد سئل عنه: لِمَ أخذت؟ ومن لم يأخذ فليس عليه سؤال، وقال: مَنْ لم