للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يأخذ الماء البارد فليس عليه سؤال، وقال: مَنْ يأخذ الماء البارد على سبيل الدواء سئل، وأصله في هذا أنّ عنده من أفضل الأعمال أن يضعف العبد قوّته، حتى لا يكون لنفسه حراك لأجل الله تعالى، وإنّ ذرّة من أعمال القلوب؛ مثل التوكل والرضا والصبر أفضل من أعمال جبال من عمل الجوارح، وهذا مذهب البصريين في إسقاط القوّة بالتجوع الطويل والطي الكثير لتضعف النفس، لأنّ عندهم أن في قوة النفس قوة الشهوات وغلبة الصفات، وفي ذلك وجود المعاصي وكثرة الهوى وطول الرغبة والحرص على الدنيا وحب البقاء، يقول: إذا أدخل الله عليها الأمراض من حيث لا تحتسب، فلا يتعالج لرفع الأمراض عنها، فإنّ لامرض من نهاية الضعف ومن أبلغ ما ينقص به الشهوة، وقد كان يقول: علل الأحسام رحمة وعلل القلوب عقوبة، وقال مرة: أمراض الجسم للصدّيقين، وقد كان ابن مسعود يقول: تجد المؤمن أصح شيء قلباً وأمرضه جسماً، وتجد المنافق أصح شيء جسماً وأمرضه قلباً، وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تحبون أن تكونوا كالحمر الصيالة؛ لا تمرضون ولا تسقمون، وقد قيل: لا يخلوا المؤمن من علّة في جسمه أو قلة في ماله، وقيل: لا يخلو من غلبة أو ذلة، وللعبد إن لم يتداوَ أعمال حسنة؛ منها أن ينوي الصبر على بلاء الله تعالى، والرضا بقضائه والتسليم لحكمه إذ قد حسن عنده لأنه موقن وإذ قد عرف الحكمة في ذلك والخيرة في العاقبة، لأنه حكيم، ومنها أنّ مولاه أعلم به منه وأحسن نظراً واختياراً، وقد حبسه وقيده بالأمراض عن المعاصي، كما روي عن الله تعالى: الفقر سجني والمرض قيدي، أحبس بذلك من أحبّ من خلقي، فلا يأمن إن تداوى فعوفي أن تقوى النفس فيفسده هواها، لأنّ المعاصي في العوافي، وعلّة سنة خير من معصية واحدة، لقي بعض الناس بعض العارفين، فقال له والعارف: كيف كنت بعدي؟ قال: في عافية فقال: إن كنت لم تعص الله فأنت في عافية، وإن كنت قد عصيته فأي داء أدوى من المعصية ماعوفي من عصى، وقال عليّ رضي الله عنه لما رأى زينة النبط بالعراق يوم عيدهم: ماهذا الذي أظهروه؟ قالوا: ياأمير المؤمنين، هذا يوم عيد لهم، فقال: كل يوم لايعصى الله فيه فهو عيد لنا.

وقال الله تعالى وهو أصدق القائلين: (وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أراكُمْ مَا تُحِبُّونَ) آل عمران ١٢٥قيل: العوافي والغنى، وقال بعضهم: إنما حمل فرعون أن قال: أنا ربكم الأعلى طول العوافي، لبث أربعمائة سنة لم يصدع له رأس، ولم يحمِ له جسم، ولم يضرب عليه عرق، فادّعى الربوبية، ولو أخذته الشقيقة والمليلة في كل يوم لشغله ذلك عن دعوى الربوبية

<<  <  ج: ص:  >  >>