للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في عشرة أيام، وإن لم يتداوَ أبرأه في عشرين يوماً، ليترخص العليل بما أباحه الله له، فيطمع في تعجيل البرء في عشرة أيام، ليكون أسرع لشفائه، وأقرب إلى عاقبته، على أنه معتقد أنّ الدواء ولا يشفى وإنّ التداوي لا ينفع لعينه، لأنّ الله هو الشافي وهو النافع فالشفاء والنفع فعله لعبده وجعله في الدواء من لطائف حكمته، لا يجعله سواه ولا يفعله إلا إياه، إذ كانت العقاقير مطبوعة مجبولة على خلقها، فجاعل الأسباب فيها هو جابلها، لأن الجعل فيها والخاصية منها ليس من عمل المتطبب، وإن كان يعمل بها ويجمع بينها وبين العليل لأنّه ظهر على يديه سبباً لرزقه، فالله خالق جميع ذلك وفاعله، وكذلك قال الله تعالى: (والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) الصافات: ٩٦ وكذلك أيضاً عند العارفين أنّ الخبز لا يشبع وأنّ الماء لا يروي كما أنّ المال لا يغني، والعدم لا يفقر، لأن الله هو المطعم المسقي وهو المشبع والمروي، كما هو المغني المفقر بما شاء، كيف شاء وهو جاعل الشبع والري في المطعوم والمشروب، وفي النفس بالغنى والفقر لحكمته ورحمته، كما أنّ الله تعالى هو المجيع المظمئ، فيدخل الطعام والشراب على الجوع والعطش الذين جعلهما فيذهبهما بما أدخل عليهما، كما يدخل الليل على النهار، ويدخل النهار على الليل، فيغلب سلطان كل واحد على الآخر فيذهبه، فسواء هذا عند الموحدين من وصف الليل والنهار، ومن العلل والأدوية يتسلط الشيء على ضده فيزيله بقلبه، فهذه بإذن الله، والشرك في هذه الأشياء في العموم أخفى من دبيب النمل على الصفا، والموقنون الصحيحو التوحيد من جميع ذلك برآء، وعلى هذه المعاني أحد الوجهين في قوله تعالى: (الَّذي أَعْطى كُلَّ شَيءْ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) طه: ٥٠ أي أعطى كل لون وجنس خلقته وطبعه أي صورة الشيء، ووصفه للضر والنفع، فإن تعجل العليل البرء بالتداوي فبرأ، كان ذلك بقضاء الله وقدره، على وصف السرعة من المعافاة، فإن كان ناوياً في تداويه واستعجاله شفاءه الطاعة لمولاه، والقيام بين يديه للخدمة، كان مثاباً على ذلك فاضلاً فيه غير منقوص في مقام توكله، وإن أراد بذلك صحة جسمه لنفسه والنعيم بالعوافي كان ذلك باباً من أبواب الدنيا، ودخولاً فيما أبيح له منها، وهو يخرجه من فضيلة التوكّل، وحقيقته بمقدار ما نقصه من الزهد في الحياة والنعيم، وإن أراد باستعجال العوافي قوة النفس لأجل الهوى، وليسعى في مخالفة المولى، كان مأزور السوء نيّته ووجود عزيمته وخرج من المباح إلى المحظور، وذلك يخرجه من حد التوكل وأوله، وهذا من مذموم أبواب الدنيا وممقوتها، وإن كانت نيته في تعجيل العوافي التصرف في المعايش والتكسب للإنفاق والجمع، نظر في شأنه؛ فإن كان يسعى في كفاف وعلى عيلة ضعاف، وعن حاجة وإجحاف لحق هذا بالطبقة الأولى، وهذا باب من أبواب الآخرة وهو مأجور عليه، ولا يخرجه من التوكل، وإن كان يسعى في تكاثره، وتفاخر، ولا يبالي من أين كسب، وفيما أنفق، لحق هذا في الطبقة الثالثة من العاصين، وهذا من أكبر الدنيا المبعدة عن الله عزّ

<<  <  ج: ص:  >  >>