للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن الرضا سرور القلب بالمقدور في جميع الأمور وطيب النفس وسكونها في كل حال، وطمأنينة القلب عند كل مفزع مهلع من أمور الدنيا وقناعة العبد بكل شيء، واغتباطه بقسمة ربه وفرحه بقيام مولاه عليه، واستسلام العبد للمولى في كل شيء ورضاه منه بأدنى شيء وتسليمه له الأحكام والقضايا باعتقاد حسن التدبير وكمال التقدير فيها، ولتسليم العبد إلى مولاه ما في يديه رضا بحكمه عليه، وإن لا يشكو الملك السيد إلى العبد المملوك ولا يتبرّم بفعل الحبيب، ولا يفقد في كل شيء حسن صنع القريب، ومن الرضا أن عند أهل الرضا لا يقول العبد: هذا يوم شديد الحرّ ولا هذا يوم شديد البرد، ولا يقول: الفقر بلاء، ومحنة والعيال همّ وتعب، والاحتراف كدّ ومشقّة، ولا يفقد بقلبه من ذلك ما لا يغرّه به بل يرضي القلب ويسلم ويسكن العقل، ويستسلم بوجود حلاوة التدبير واستحسان حكم التقدير، كما قال عمر بن عبد العزيز: أصبحت وما لي سرور إلا في انتظار مواقع القدر، وقال ابن مسعود: الفقر والغنى مطيتان ما أبالي أيّهما ركبت، إن كان الفقر فإن فيه الصبر، وإن كان الغنى فإن فيه البدل، وقال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان: إنّ فلاناً قال: وددت أنّ الليل أطول مما هو فقال: قد أحسن، وقد أساء، أحسن حيث تمنى طوله للعبادة وأساء إذا لم يحبّ ما لم يحب الله.

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أبالي على أي حال أصبحت وأمسيت من شدة أو رخاء، وقال ذات يوم لامرأته عاتكة وقد غضب: والله لأسوءنك: فقالت أتستطيع أن تصرفني عن الإسلام بعد أن هداني الله له؟ قال: لا، قالت: فأي شيء تسوءني إذاً، وقال جعفر بن سليمان الصنعي قال سفيان الثوري يوماً عند رابعة: اللهم ارضَ عنا، فقالت: أما تستحي من الله أن تسأله الرضا وأنك غير راضٍ عنه؟ فقال: أستغفر الله، قال جعفر فقلت لها: متى يكون العبد راضياً عن الله تعالى؟ فقالت: إذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره بالنعمة، وقال فضيل بن عياض: إذا استوى عنده المنع والعطاء فقد رضي، وفي أخبار داود: ما لأوليائي والهمّ بالدنيا، إنّ الهم يذهب حلاوة مناجاتي من قلوبهم، وفي بعضها: يا داود، إياك والاهتمام بالدنيا، محبتي من أوليائي أن يكونوا روحانيين لا يغتمّون، إياك والغم ّولاتهتم للخير وأنت تريدني، ويقال: أكثر الناس همًّا في الدنيا أكثرهم همًّا في الآخرة، وأقلّهم همًّا في الدنيا أقلّهم همًّا في الآخرة، وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإيمان بالقدر يذهب الهمّ والحزن، واعلم أنّ الفرح بالدنيا يخرج همّ الآخرة من القلب، والغمّ على الدنيا يحجب عن الحزن على فوت الآخرة، وذكر عند رابعة عابد له عند الله منزلة، وكان قوته ما يقمم من منزلة لبعض

<<  <  ج: ص:  >  >>