للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملوكهم فقال رجل عندها: فما يضر هذا إذا كانت له عند الله منزلة أن يسأله، فيجعل قوته في غير هذا فقالت له: اسكت يا بطال، أماعلمت أنّ أولياء الله هم أرضى عنه أن يتخيروا عليه إن ينقلهم من معيشة حتى يكون هو الذي يختار لهم، وقال أحمد بن أبي الحواري: قال لي أبو سليمان: إنّ الله تعالى من كرمه قد رضي من عبيده بما رضي العبيد من مواليهم قلت: وكيف ذلك؟ قال: أليس مراد العبد من الخلق أن يرضى عنه مولاه؟ قلت: نعم قال: فإن محبة الله من عبيده أن يرضوا عنه، وقال الأعمش: قال لي أبو وائل: يا سليمان، نعم الرب ربنا لو أطعناه ما عصانا، وقال الله عزّ وجلّ في معناه: (وَيَسْتَجيبُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّاِلحَاتِ) الشورى: ٢٦، أي يعطيهم ويستجيب لهم، والاستجابة الطاعة كقوله تعالى: (فَلْيَسْتَجيبُوا لي) البقرة: ١٨٦، فلما استجابوا له استجاب لهم، أطاعوه فيما أحبّ فأطاعهم فيما يحبون، وهذا أحد وجهي الآية كقوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) البقرة: ٤٠ وهو على تأويل من قرأ: هل يستطيع ربك أن يطيعك؟ قال ابن عباس: كان الحواريون أعلم بالله أن يشكوا أنّ اللّّه يقدر على ذلك، وإنّما معناه: هل يستطيع أن يطيعك؟ وروينا أيضاً عن عائشة مثله، وقال الفضيل: من أطاع الله تعالى أطاعه كل شيء، ومن خاف من الله خاف منه كل شيء، وفي أخبار موسى عليه السلام يا رب دلّني على أمر فيه رضاك حتى أعمله، فأوحى الله تعالى إليه إنّ رضاي في كرهك وأنت لا تصبر على ما تكره، قال: يا رب دلني عليه قال: فإن رضاي في رضاك بقضائي، وقد يروى على وجه آخر أن بني إسرائيل سألوا موسى فقالوا: لو علمنا في أي شيء رضا ربنا لفعلناه، فأوحى الله إليه قل لهم: رضاي في رضاهم بقضائي وفي مناجاة موسى عليه السلام يا رب أي خلقك أحبّ إليك؟ قال: من إذا أخذت منه المحبوب سالمني قال: فأي خلقك أنت عليه ساخط؟ قال: من يستخيرني في الأمر فإذا قضيت له سخط قضائي، وقد ورد أشد من هذا كله أن الله تعالى قال: (أَنَا اللهُ لاَ إلّهَ إلاّ أََنَا) طه: ١٤، من لم يصبر على بلائي ويرضَ بقضائي ويشكر نعمائي فليتخذ ربًّا سواي، وقد رويناه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طريق ومثله في الشدة يقول الله تعالى: قدّرت المقادير ودّبرت التدبير وأحكمت الصنع، فمن رضي فله الرضا مني حين يلقاني ومن سخط فله السخط مني حين يلقاني، وفي الخبر: أوّل ما كتب لموسى عليه السلام: (إنَّني أنَا اللهُ لاَ إلَهَ إلاّ أنَا) طه: ١٤، من رضي بحكمي واستسلم لقضائي وصبر على بلائي كتبته صديقاً وحشرته مع الصدّيقين يوم القيامة.

وروينا في الخبر المشهور بمعناه يقول الله جل جلاله: قدرت الخير والشرّ وأجريتهما على أيدي عبادي، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريت الخير على يديه وويل

<<  <  ج: ص:  >  >>