للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمن خلقته للشرّ وأجريت الشرّ على يديه، وويل ثم ويل لمن قال: لِمَ وكيف؟ وفي الأخبار السالفة أن نبيًّا من الأنبياء شكا إلى الله الجوع والفقر عشر سنين، كل ذلك لا ينظر في مسألته فأوحى الله إليه: لِمَ تشكو؟ هكذا كان بدوّك عندي في أم الكتاب قبل أن أخلق السموات والأرض، وهكذا سبق لك مني وهكذا قضيت عليك قبل أن أخلق الدنيا، أفتريد أن أعيد خلق الدنيا من أجلك أم تريد أن أبدل ما قدرت عليك، فيكون ما تحبّ فوق ما أحب ويكون ما تريد فوق ما أريد، وعزّتي وجلالي لن تخالج في صدرك مرة أخرى لأمحونّك من ديوان النبوّة، وروينا أنّ آدم عليه السلام كان بعض أولاده الصغار يصعدون على جسمه وينزلون، يجعل أحدهم رجله على أضلاعه كهيئة الدرج فيصعد إلى رأسه ثم ينزل على أضلاعه، كذلك قال وهو مطرق إلى الأرض ولا ينطق ولا يرفع رأسه فقال له بعض ولده يا أبت، ألا ترى مايصنع هذا بك لو نهيته عن هذا فقال: يا بني، إني رأيت ما لم تروا، وعلمت ما لم تعلموا، إني تحركت حركة واحدة فأهبطت من دار الكرامة إلى دار الهوان، ومن دار النعيم إلى دار الشقاء، فأخاف أن أتحرك حركة أخرى فيصيبني ما لا أعلم، روينا في بعض الأخبار أنّه قال: إنّ الله ضمن لي إن حفظت لساني أن يردّني إلى الدار التي أخرجني منها، وقال أبو محمد سهل: حظّ الخلق من اليقين على قدر حظّهم من الرضا، وحظّهم من الرضا على قدر عيشهم مع الله، وروى عطية عن أبي سعيد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّ الله بحكمه وجلاله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الغمّ والحزن في الشك والسخط، ومن الرضا أن لا تذمّ شيئاً مباحاً ولا تعيبه إذا كان بقضاء مولاه، شاهداً للصانع في جميع الصنعة ناظراً إلى إتقان الصنع والحكمة وإن لم يخرج ذلك عن معتاد المعقول والعادة، وبعض العارفين يجعل هذه الأشياء في باب الحياء من الله عزّ وجلّ، ومنهم من يقول: هي من حسن الخلق مع الله تعالى، ومنهم من جعله من باب الأدب بين يدي الله، فإذا كان هذا كذلك كان ذم الأشياء التي أبيحت وعيبها من سوء الخلق مع الله، وكانت من سوء الأدب بين يدي الله، وأعظم من ذلك أنها تدخل في باب قلة الحياء من الله، ويصلح أن يكون هذا أحد معاني الخبر الذي جاء: قلّة الحياء كفر، يعني كفر النعمة بأن يذم ويعيب بعض ما أنعم الله به عليه من الإرفاق والإلطاف، إذ كان فيها تقصير عن تمام ملها أو كانت مخالفة لهواه منها، فيكون ذلك كفراً للنعمة وقلّة حياء العبد من المنعم، إذ قد أمره بالشكر على ذلك، فبدل الشكر كفراً لأنّ أحداً لو اصطنع لك طعاماً فعبته وذممته كره ذلك منك، فكذلك تعالى يكره ذلك منك، وهذا داخل في معرفة معاني الصفات، وفي معنى ما قيل أعرفكم بربّه أعرفكم بنفسه، لأنّك إذا عرفت صفات نفسك في معاملة الخلق عرفت منها صفات خالقك،

<<  <  ج: ص:  >  >>