يَصْطَفي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) الحج: ٧٥ وفي الخبر: إذا أحب الله عبداً ابتلاه يعني اختبره؛ فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه، وقال بعض العلماء: إذا رأيتك تحبه ورأيته يبتليك فاعلم أنه يريد أن يصافيك، وقال بعض المريدين لأستاذه: قد طولعت بشيء من المحبة فقال: يا بني هل ابتلاك بمحبوب سواه فآثرت عليه إياه؟ فقال: لا فقال: فلا تطمع في المحبة، فإنه لا يعطيها عبداً حتى يبلوه، ومن دلائل المحبة حبّ: كلام الحبيب وتكريره على الأسماع والقلوب، وحدثونا عن بعض المريدين قال: كنت وجدت حلاوة المناجاة في سوء الإرادة، فأدمنت على قراءة القرآن ليلاً ونهاراً، ثم لحقتني فترة فانقطعت عن التلاوة، قال: فسمعت قائلاً يقول لي في المنام: إن كنت تزعم أنك تحبني فلم جفوت كتابي، أما ترى ما فيه من لطيف عتابي، قال: فانتبهت، وقد أشرب في قلبي محبة القرآن فعاودت إلى حالي الأوّل، وقد قال بعض العارفين: لا يكون العبد مريداً حتى يجد في القرآن كل مايريد، وقد كان ابن مسعود يقول: لا على أحدكم أن يسأل على نفسه إلا القرآن فإن كان يحبّ القرآن فهو يحبّ الله، وإن لم يكن يحبّ القرآن فليس يحبّ الله، ومن علامة حبّ القرآن حب أهل القرآن وكثرة تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وقال سهل بن عبد الله: علامة حبّ الله حبّ القرآن وعلامة حبّ القرآن وحبّ الله حبّ النبيّ عليه السلام وعلامة حبّ النبيّ عليه السلام حبّ السنّة، وعلامة حبّ السنّة حبّ الآخرة، وعلامة حب الآخرة بغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا أن لا يأخذ منها إلا زاداً وبلغة إلى الآخرةوقال تعالى وهو أحسن القائلين:(يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دينِهِ فَسَوْفَ يَأْتي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) المائدة: ٥٤ أي لا يرتدون لأنهم أبدال المرتدين، ولا ينبغي أن يكونوا أمثالهم، كما قال: يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم، ومن علامة محبة المولى تقديم أمور الآخرة من كل ما يقرَّب من الحبيب على أمور الدنيا من كل ما تهوى النفس، والمبادرة بأوامر المحبوب وبواديه قبل عاجل حظوظ النفس، ثم إيثار محبته على هواك واتباع رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أمرك به ونهاك، والذل لأوليائه من العلماء به والعاملين، ثم التعزز على أبناء الدنيا الموصوفين بها المؤثرين لها، كما قيل لابن المبارك: ما التوضع؟ فقال: التكبر على المتكبرين، وقال الفتح بن شحرف، رأيت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في النوم فقلت: أنبئني بحرف خير فقال: ماأحسن تواضع الأغنياء للفقراء رجاء ثواب الله، وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله، وإنما وصف الله أحباءه بالذل للأولياء والعزّ على الأعداء لأنه يصف من يحبه بأحسن الأوصاف، فالذل للحبيب حسن، والعزّ على العدو في حسنه مثل العزّ على