كقوله تعالى:(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمينَ) الأنبياء٥١ فكذلك قال: هو سماكم المسلمين من قبل، وقال تعالى:(لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يونس: ٢، وقال تعالى في آخر آياتهم:(في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَليكٍ مُقْتَدِرٍ) القمر: ٥٥، ولا يصلح أن يكون قبل قدمه الصدق منهم قدم، كما لا يصلح أن يكون قبل علمه بهم منهم عمل بهم منهم، لأنّ عمله سبق المعلوم ومحبته لأوليائه سبقت محبتهم إياه ومعاملتهم له، ثم هي مع ذلك خاصية حكم من أحكامه ومزيد من فضل أقسامه وتتمة من سابغ إنعامه، خالصة لمخلصين، ومؤثرة لمؤثرين بقدم صدق سابق لخالصين، يؤول لي مقعد صدق عند صادق لسابقين، ليس لذلك سبب معقول ولا لأجل عمل معمول، بل يجري مجرى سرّ القدر ولطف القادر، وإفشاء سرّ القدر كفر، ولا يعلمه إلا نبي أو صديق ولا يطلع عليه إلا من يظهره، وما ظهر في الأخبار من الأسباب، فإنما هو طريق الأحباب ومقامات أهل القرب من أولي الألباب، وإنما تستبين المحبة وتظهر للعبد لحسن توفيقه وكلاءة عصمته، ولطائف تعليمه من غرائب علمه وخفايا لطفه، في سرعة ردهم إليه في كل شيء ووقوفهم عنده، ونظرهم إليه دون كل شيء وقربه منهم أقرب من كل شيء، وكثرة استعمالهم لحسن مرضاته وكشف اطلاعهم على معاني صفاته، ولطيف تعريفه لهم مكنون أسراره وفتوحه لأفكارهم من بواطن إنعامه واستخراجه منهم خالص شكره وحقيقة ذكره، فهذه طريقات المحبين له عن كشوف اطلاعه لهم من عين اليقين، يقال: إذا أحب الله عبداً استخدمه؛ فإذا استخدمه اقتطعه، وقيل إذا أحبّ الله عبداً نظر إليه، وإذا نظر الله إلى عبد لم يعذبه، وروي بعض هذا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروينا في الخبر: إذا أحبّ الله عبداً ابتلاه، وإذا أحبه الحبّ البالغ اقتناه، قيل: وما اقتناؤه؟ قيل: لم يترك له أهلاً ولا مالاً، فالمحبة مزيد إيثار من المحب الأوّل وهو الله، لعبده وأحكام تظهر من المحبوب وهو العبد، في حسن معاملته، أوحقيقة علم يهبه له، كما قال إخوة يوسف عرفوا محبة الله ليوسف عليهم: تالله، لقد آثرك الله علينا، ثم قالوا: وإن كنا لخاطئين؟ فذكروا سالف خطاياهم وأنه آثره بما لم يؤثرهم به، فقال الله تعالى في وصفه إياه:(قَالَ اجْعَلْني عَلى خَزَائِنِ الأرْضِ إنّي حَفيظٌ عَليمٌ) يوسف: ٥٥، وقال في موهبته له: آتيناه حكماً وعلماً، وكذلك نجزي المحسنين، فذكر ما سلف من إحسانه لما آثره به، وقالت الرسل: إن نحن إلاّ بشر مثلكم ولكن الله يمنّ على من يشاء من عباده، وقال تعالى: (اللهُ