للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول، ولا يظهرهم على كن حتى ينكشف الكون عن قلوبهم، وفي الكون ما فيه من نفيس الملكوت وعظيم الرغبوت، مما لا يصلح ذكره، واعلم أنّ آفات النفوس وزينة الملك: حجب قلوب العموم وحظوظ العقل وشهوات الأرواح من رغبوت الملكوت، حجب قلوب الخصوص وسمو القلب إلى معاني الدرجات التي يشاهدها، ووقوفها مع خصائص الرحموت والرغبوت التي يطالع بها، حجب قلوب المحبوبين لأنهم إذا جاوزوا شهوات النفوس ورفعت بحبهم عنه حجب العقول وقعوا في شهوات الأرواح، فلا يواجهون بالوجه ولا ينظرون إلى الوصف حتى يجاوزوا أيضاً شهوات الأرواح وينكشف عنهم أيضاً، حجب الأنوار فيخلفوا الرسم ويغيروا الوسم، فإذا انكشفت المقامات وانقطعت الفضائل وحققت المطالعات وسقطت المنازل والدرجات، اصطلم الطالب وغلب المطلوب وفنى الراغب وبقي المرغوب، أظهر لهم التعلق بالاسم وهو آخر الحجب وأول القرب، يبتليهم به لينظر كيف يعملون في الوسم، فعندها حقت كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك الآية، وهناك صح له هذا المقام وفي معناه:

ظهرت لمن أفنيت بعد بقائه ... فصار بلا كون لأنك كنته

فهذا مكان وجده بموجوده وقيامه بقيوميته بعد أن كان واجداً بكونه وقائماً بقيامه، وقد كان أبو يزيد يقول: إن أعطاك مناجاة موسى وروحانية عيسى وخلة إبراهيم صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين، فاطلب ما وراء ذلك، فإنّ عنده فوق ذلك أضعافاً مضاعفة، فإن سكنت إلى ذلك حجبك به، وهذا هو بلاء مثلهم في مثل حالهم لأنهم الأمثل فالأمثل بالأنبياء، فإذا لم ينظر العبد إلى جميع المطلوب ولم يقف على كون مرغوب أقامه حينئذ مقام محبوب، فآواه في ظلة وعطف عليه بحنانه، ونظر إليه بعينه وواجهه بوجهه فتوجّه إليه ولم ينتنِ، وسارع إلى قربه ولم ين فلم يشهد في وجهه وجهاً، ولا رأى في يده يداً، وقام بشهادته لقيوميته مشاهداً فهذا غاية الطالبين من العارفين، وقد قال بعض العارفين المحبين: كوشفت بأربعين حوراء، رأيتهن يتساعين في الهواء عليهن ثياب من فضة وذهب وجوهر يتخشخشن، وتنثني معهن، فنظرت إليهن نظرة فعوقبت أربعين يوماً، قال: ثم كوشفت بعد ذلك بثمانين حوراء؛ فوقهن في الحسن والجمال، وقيل: انظر إليهن قال: فسجدت وغمضت عيني في سجودي لئلا أنظر، وقلت: أعوذ بك ممّا سواك، لاحاجة لي بهذا، فلم أزل أتضرع حتى صرفن عني، ولله عزّ وجلّ مثل هذا العبد في كل قرن وزمان ما يكثر عدده، متفرقين في أرضه ومنتشرين في بلاده ومخمولين مختبين تحت ستره في عباده، لا تستطيع العقول حمل وصفهم لضعفها، ولا يثبت في القلوب حق نعتهم لوصفها أقل مايوصفون به الإخلاص في الحركة والسكون، وهو أجلّ ماعندنا،

<<  <  ج: ص:  >  >>