الغنى، والفقر وخشية الله تعالى في السرّ والعلانية، وتفسير ما ذكرناه قبل، من أن هذه المقامات مرتبطة بعضها ببعض، وأنّ من أعطي حقيقة من أحدها أعطي جميعها حالاً، إذ يجمع ذلك كله الإيمان بالله تعالى ليتوب العبد إلى من آمن به، وإلى ما آمن به من الوعد وما آمن به من الوعيد، ليحقّ إيمانه ويصحّ يقينه، وليستقيم توحيده، كما قال تعالى: إنَّ الذين قالوا: ربنا الله، ثم استقاموا، وقال تعالى:(فَاسْتَقِيمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ) هود: ١١٢ وقال: فآمن له لوط وقال: إني مهاجر إلى ربي فذهب إليه لما آمن به، وهو الرجوع وهي التوبة، ثم يزهد فيما تاب منه من هواه لتصحّ توبته وتخلص نيته، فيكون نصوحاً، كما قال تعالى:(مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ الله بَاقُ) النحل: ٩٦، وقال: والآخرة خير وأبقى، وقال: وشروه بثمن بخس دراهم معدودة، وكانوا فيه من الزاهدين لما أخرجوه من أيديهم وتركوه، وتابوا إلى أبيهم، وزهدوا فيه، ثم يصبر عما زهد فيه ليحق زهده، كما قال: وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وقال عزوجل:(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرَ) المدثر: ٧، ثم يشكر على ما صبر عنه ليكمل صبره، كما قال:(لاَ قُوَّةَ إلاَّ بالله) الكهف: ٣٩، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله) النحل: ٥٣، (وَاذْكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) البقرة: ٢٣١، ثم يرجو من شكر له ليزيده من فضله فيعطيه فوق سؤله بحسن ظنه به، كما قال تعالى:
(وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) الزمر: ٩، وقد ذم من أيس من رحمته بقوله: ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه، إنه ليؤس كفور، ثم يخاف فوت ما رجا ويخاف من تقصيره في الشكر لما أولى، لتحق غبطته برجائه ويتم إشفاقه من تبديل الآية ويخاف نقصان المزيد كما قال سبحانه:(يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وطَمَعاً) السجدة: ١٦، وقال مخبراً عن أوليائه: إنّا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمنّ الله علينا وقد عاب الله من فرح بما أظهر له وفخر بما أوتي ومن عود البلاء ونسي أنه كان مبتلي، في قوله تعالى: ولئن أذقناه نعماء بعد ضرّاء مسّته ليقولنّ: ذهب السيّئات عني إنه لفرح فخور، ثم يتوكل على من خافه فيسلم نفسه إليه ويستسلم بين يديه، أن يحكم فيه ما أحبّ لقوله تعالى:(وَعَلَى الله فَتَوَكَّلوا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ) المائدة: ٢٣، وقوله: نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون، ثم يرضى بمن توكل عليه وعمّن توكل له لعلمه بحكمته البالغة وتدبيره الحسن لقوله تعالى:(رِضِيَ الله عَنْهُمْ رَضُوا عَنْهُ) المائدة: ١١٩، ولقوله تعالى: (