فقال: كلها فيك يا أبا بكر، وأحبها إلى الله عزّ وجلّ السخاء، والحديث الثالث هو المستفيض، رأيت ميزاناً دليّ من السماء فوضعت في كفة فرجحت بهم، ووضع أبو بكر في كفة، وجيء بأمتي فوضعت في كفة، فرجح بهم وليس بين الصدّيق وبين الرسول إلا درجة النبوّة والقطب اليوم الذي هو إمام لأثافي الثلاثة، والأوتاد السبعة، والأبدال الأربعين والسبعين إلى ثلاثمائة، كلهّم في ميزانه، وإيمان جميعهم كإيمانه، إنما هو بدل من أبي بكر رضي الله تعالى عنه والأثافي الثلاثة بعده، إنما هم أبدال الثلاثة الخلفاء بعده والسبعة هم أبدال السبعة إلى العشرة، ثم الأبدال الثلاثمائة وثلاثة عشر، إنما هم أبدال البدريين من الأنصار والمهاجرين أهل الرحمة والرضوان، فمع هذا الفضل العظيم لأبي بكر الصدّيق رضي الله تعالى عنه لم يصلح أن يشرك الحبيب الرسول المقرّب الخليل في مقام الخلّة، كما صلح أن يشرك في مقام الأخوة، وهو المقام الذي شرك فيه عليًّا كرّم الله وجهه، فقال عليّ مني بمنزلة هارون من موسى، فهذا مقام أخوة، كذلك في التفرّد بمقام الخلّة: لو كنت متّخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله تبارك وتعالى يعني نفسه صلوات الله عليه، لأنه واحد لواحد، مفرد لفرد، فاعتبروا يا أولي الألباب بتدبر فهم الخطاب، فمن أعطي من الصفاء نصيباً أعطي من الحب نصيباً، وكان له من المعرفة بقوة محبته، ومن المعرفة بقدر معرفته، فأما المعرفة الأصلية التي هي أصل المقامات ومكان المشاهدات، فهي عندهم واحدة، لأن المعروف بها واحد والمتعرّف عنها واحد، إلا أن لها أعلى وأول، فخصوص المؤمنين في أعلاها وهي مقامات المقرّبين، وعمومهم في أولها وهي مقامات الأبرار، وهم أصحاب اليمين، ولكل منهم وجهة من الصفات المخوفة عنها كانوا خائفين، أو الأخلاق المرجوّة منها كانوا راجين، أو الأفعال والأملاك عندها كانوا صابرين شاكرين، أو معاني أوصاف ذات منها كانوا محبين متوكّلين، قال الله سبحانه وتعالى:(وَلِكُلٍ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا فَاسْتِبَقُوا الْخَيْرَاتِ) البقرة: ١٤٨، ويقال من أحب شيئاً حشر معه.