وفي الخبر: المرء مع من أحبّ وله ما احتسب، وفي الخبر: من مات على مرتبة من المراتب بعث عليها يوم القيامة، فأماجمل مقامات المحبين فمذكورة في الكتاب العزيز، من الحبيب اثني عشر مقاماً: خميس في دليل الخطاب وتدبّر الألباب، وسبعة في صريح الكلام بظاهر الأفهام، فأمّا السبع المصرحة فقوله عزّ وجلّ:(إنَ الله يُحبُ التَوَّابِينَ وَيُحِبُّ المتُطَهِّرينَ) البقرة: ٢٢٢، (وَالله يُحِبُ الصَّابِرينَ) آل عمران: ١٤٦، (وَالله يُحِبُّ الشَّاكِرينَ) آل عمران: ١٤٤، (واللهُ يُحِبُّ الْمُتَّقينَ) آل عمران: ٧٦، (وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنين) آل عمران: ١٣٤، (وَاللهِ يُحِبُّ الْمُتَوَكّلينَ) آل عمران: ١٥٩ وأما الخمسة المتدبرة فهم الموحدون لقوله: لا يحبّ الكافرين والعادلون، لقوله: لا يحب الظالمين والمستقيمون، لقوله: لا يحب الفاسقين والمتواضعون، لقوله: لا يحبّ المستكبرين والموفون، لقوله: لا يحبّ الخائنين وهؤلاء طبقات المحبوبين تعريضاً وتصريحاً، وشرح هذه الأوصاف هي مقامات اليقين، وفي كل مقام من هذه أحوال يكثر عددها، كل حال منها طريق إلى الله عزّ وجلّ، في كل طريق طائفة من المحبين، محبتهم على قدر معرفتهم ومعرفتهم على زنة تعرف المعروف إليهم، وعن نحو تعريف المعروف لهم، وذلك معنى من معارفهم، فهم على زنة يقينهم، ويقينهم على حسب صفاء إيمانهم، وإيمانهم على نحو عناية الله بهم وتفضّله عليهم وإيثاره لهم، ومن وراء ذلك سرّ القدر المختزن المستأثر، وليس فوق المحبة مقام مشهور، ولا دون التوبة حال مذكور، فأول المقامات التوبة، يخرج بها من الظلم والظلم حال من الشرك، قال الله تعالى:(إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ) لقمان: ١٣، وقال الله تعالى:(الَّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَاَنهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ في الدُنْيَا) الأنعام: ٨٢، وهذا فصل الخطاب لأضدادهم، فأي الفريقين أحق بالأمن؟ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك هم أحق بالأمن غداً في المقام الأمين وقال تعالى:(وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحجرات: ١١، فآخر الظلم أول التوبة وآخر التوبة أول المحبة، وآخر المحبة أول المعرفة وهي معرفة متعرف، وهي الخاصية مزيد المحبة الأولى وآخر نصيب العبد من المعرفة وأول التوحيد، وهو توحيد الشاهدين ولا آخر له، وأوسط المقامات الزهد وأول الزهد آخر الهوى، وآخر الزهد أول العلم وآخر العلم أول الخوف وآخر الخوف، أول الحبّ وهذا حبّ محبوب، والظالم لامقام له ولاجاه، ومن لا جاه له فلا شفاعة ومن لا شفاعة فلا شهادة، ومن لاشهادة فلا يقين، فلو أعطي مثقالاًِ من الإيمان لم يتجه لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في وصف الداخلين: أخرجوا من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ثم قال في الخبر الآخر: السخاء من اليقين، ولا يدخل في النار موقن، وقال سبحانه وتعالى في تقصيل ماوصلنا مما عنه شهدناه:(لاَ يَنَالُ عَهْدي الظَّالِمينَ)