البقرة: ١٢٤، ثم قال في البيان الثاني من الخطاب:(لاََيَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحَمنِ عَهْداً) مريم: ٨٧، وقال في البيان الثالث:(وَلاَيَمِلْكُ الَّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إلاَّ مَنْ شَهِدَ بالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمْونَ) الزخرف: ٨٦، وقال في وجد اليقين بعد شهادة العين في الرواية بعد المكاشفة:(وَكَذلِكَ نُرِي إبْراهيمَ مَلَكُوتَ الََّسمواتِ وَالأَرَِْض ولِيَكُونَ مِنَ المْوقِنينَ) الانعام: ٧٥، ثم قال بنبأ يقين: إني وجدت، وكما أن اليقين بعد المشاهدة كذلك الوجد بعد اليقين، واليقين هو حقيقة الإيمان وكماله، كما جاء في الأثر: الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله.
وقد روينا في تفسير قوله تعالى: لا ينال عهدي الظالمين، قيل: الجاه وقيل: الشفاعة ويقال: الولاية، وقيل: الإمامة، لا يكون الظالم إماماً للمتقين لأن من تبعه أمة من المؤمنين فهو إمام للمتقين، والظالم متهدد بالنار متوعّد بسوء المنقلب، مشفوع فيه فكيف يكون شفيعاً محجوب عنه؟ فكيف يكون شهيداً؟ ألم تسمع إلى قول الشاهد: ولا تحسبنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون وإلى قوله تعالى: (وَسَيََعْلَمُ الذينَ ظَلَمْوا أيَّ مُنْقَلبِ يَنْقلبُونَ) الشعراء: ٢٢٧، مع قوله تعالى:(فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذِلكَ جَزَاؤُا الظَّالِمينَ) المائدة: ٢٩، ثم أجمل ذلك بقوله: ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون، فصغير التوبة لصغير الظلم عن صغائر المظالم، وكبير التوبة لكبير الظلم عن كبائر المظالم، والظلم ظلمة اليوم في القلب، وظلمة غداً في القيامة، فالتوبة تخرج العبد من الظلم، وبخروجه من الظلم يدخل في منازل العهد، وبرعاية العهد يعمل في الإصلاح، والله لا يضيع أجر المصلحين، كما لا يصلح عمل المفسدين، فإذا كان مصلحاً بالتوبة ما أفسد بالهوى استعمل بالصالحات لأنه قد صلح، َفإذا عمل بالصالحات أدخل في الصالحين لأنه قد فضل، قال الله تعالى:(وَيُؤْتِ كُلَّ ذي فَضْلٍ فَضْلَهُ) هود: ٣، وقال في البيان الأول:(وَعَمِلُوا الصَّلِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ في الصَّالِحينَ) العنكبوت: ٩، فمن صلح له تولاّه ومن تولاه علمه وحباه وكاشفه من نفسه وعافاه وأحبه، فكان هو حسبه وكفاه وجعله تحت كنفه وآواه، فيكون ظاهر حاله العصمة من الهوى، وأعلاه مشاهدة عين اليقين من المولى، ومن اكتسب من المظالم ظلم، ومن ظلم ولاّه مثله ومن ولاّه مثله تولى عنه، ومن تولى عنه أفسد ومن أفسد قطع ما أمر الله به أن يوصل، ومن قطع بعد فانقطع ومن انقطع فبعد لعن وطرد ومن طرد عمي وصمّ تحت الهوى المعمي المصمّ، ومن عمي لم يشهد البصير ومن صمّ لم يسمع من السميع، فكيف يتدبر الخطاب وقلبه مقفل وهمه على هواه