مقبل؟ والفتاح العليم عنه معرض؟ فهذا من توصيل القول بمطلع المقول من قوله تعالى:(نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يكْسِبُونَ) الأنعام: ١٢٩ ومن قوله تعالى: (إنْ تَوَلَّيْتُمْ أََنْ تُفْسِدُوا في الأَرْضِ) محمد: ٢٢ الآية، فبينوا وللتائب حال من أول المحبة، وللتواب مقام من حقيقة الحبّ، وللناس في التوبة مقامات حسب كونهم في الهوى طبقات، وهم في الحب درجات نحو مشاهدتهم لمحاسن الصفات، فتجلّى لكل وجه بمعنى، حسن وجهه هذا في القلوب عن محاسن الإيمان، وفي الآخرة على معاني محاسن الوجوه في العيان، فتحكم عليهم المشيئة منه لهم بما يوجدهم به منه على معاني ما أوجدهم منه به اليوم، فسبحان من هذه قدرته عن إرادته وسع كل شيء رحمة وعلماً، ويلزم كل عبد من المجاهدة على قدر ما ابتلى به من الهوى، ويثبت له من المحبة بقدر ما صح له من التوبة، ويسقط عنه من المجاهدة بقوة ما يكشف له من المشاهدة، فيحمل الإشهاد عنه آلام الجهاد، فيكون العبد في البلاء محمولاً، ويكون يقينه بالشهادة واليقين موصولاً، وهذا من سوابغ العوافي وتمام من النعماء، وهؤلاء الذين أنعم الله عليهم من النّبيين والصدِّيقين والشهداء وهم الذين جاء الخبر فيهم.
إنّ لله عباداً ضنائن من خلقه، يغذوهم برحمته ويجعلهم في ظل عافيته، يضن بهم عن القتل والبلاء ويحييهم في عافية، ويدخلهم الجنة في عافية أولئك الذين تمرّ عليهم الفتن كقطع الليل المظلم وهم منها في عافية، فالأفضل بعد هذا لكلّ عبد معرفته بعلم حاله، ووقوفه على حده ولزوم الصدق في مقامه، وترك التكلّف والدعوي في جميع سكونه وحركته، فإنه هذا أبلغ فيما يريد، وأوصل في طلب ما يرجو، فإنّ علم العلماء لا يغني عنه من علمه بنفسه شيئاً لا يسأل عن علومهم كما لا يسألون عن علمه، وهذا طريق رأس ماله الصدق، وزاده الصبر وقوته التقوى، فمن عدم الصدق لم يربح، ومن لم يتزود الصبر انقطع، ومن لم يقتت التقوى هلك، فذرة من صدق أنفع من مثقال عمل، وذرة من صبر خير من مثقال من عمل، وذرة من تقوى أنفع من مثقال إيمان، فإنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئاً، ويعطي الله تعالى العبد بأداء الفرائض واجتناب المحارم مقاماً من مقامات اليقين، يرفع به إلى عليين، وربما أعطاه بهما مثل ثواب الأبدال بعد أن يريد بالفعل والترك وجه الله تعالى وحده، وإن لم يسلك به طريق الأبدال قط ولم يعرف منهم أحداً أبداً، ومن نقله مولاه باليقين الذي به تولاه لم يخف عليه التنقيل، لأن النقل يضطره إلى التنقل في الأحوال، والمشاهدة تحكم علىه بالأفعال، وربما بلغ الله تعالى العبد بحسن الظن به، وقوة الأمل والطمع فيه جميع ما ذكرناه، بعد أن يكون حسن اليقين، وقد يعطيه مقام الصدِيقين بخلق من أخلاقه إذا خلقه به، وربّما بلغه منازل الشهداء بشيء واحد يتركه