له، أو شيء يؤثره به لأنه غفور شكور، وأضرّ شيء على العبد قلة معرفته به، فلربما كان العبد على تسع كبائر فيترك العاشرة لوجه الله تعالى، فتكون تلك الخصلة ذرة إلى جنب تسعة أجبل، فينظر الله تعالى إليه بوجهه لوجهه الذي تركه له نظرة، فتمحو تلك النظرة الجبال التسعة فتصبر هباءً منثوراً، وربما حسن الله تعالى وصفاً واحداً من العبد يصفه به فيحبط عنه مائة وصف قبيح يصفه الناس به، فتدبروا، فلا ييأس عبد من فضل مولاه ولا يقطعن من حبله رجاه بعد إذ عرفه، فإن السيد كريم رحيم، ولا ينقطعن عبد عن بابه وأن يقطع بخلافه ولا يبعدن عن فنائه وإن بعد بأوصافه، ولا يستوحش من التقرّب إليه بما يحب بعد ما توحش، تفحش لديه بما يكره، فهكذا يحب الله تعالى من عباده فتبينوا، ونحو هذا يحبّ الله تعالى منهم أن يعرفوا فيفعلوا بعد المعرفة، فإنّ المعروف مفرط الكرم واسع الرحمة فاضل الفضل، فإن أعطي المعرفة لم يمنع شيئاً ولا يضرّ ما منع وإن منع المعرفة لم يعط شيئاً ولم ينفع منه ما أعطي، وقد تلتبس المحاب فتدخل محبة النعم في محبة المنعم، وتدخل محبة النفس على محبة خالق، ويشتبه ذلك عند عموم المحبين ممن لم يكشف له عين اليقين، فيكون العبد محبَّا للنعم، وهو يظن بوهمه أنه محب للمنعم، ويكون محبّاً لنفسه ويحسب أنه محبّ لمولاه، وعلامة ذلك سكونه إلى الأشياء وفرحه بالموجودات، ووجود راحته ولذته في هواه، فربما اختار الله تعالى أن يكشف له حاله قبل موته، وربما ستر عليه حاله ولم يفضحه حتى يلقاه، فيثيبه ثواب مثله وجزاءه، وليس يظهر فرقان هذا إلا في قلب موقن مراد بنورثاقب، وعلم نافذ ويقين صاف من عين التوحيد وشاهد القيومية لأنه من باب مشاهدة الصفات الغيبية ومشاهدة الأفعال الملكوتية، وهو الفرقان الذي وعده الله تعالى المتقين من المؤمنين فقال:(يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً) الأنفال: ٢٩، قيل: نوراً أتفرقون به بين الشبهات وهو المخرج الذي ضمنه الله تعالى لأهل التقوى، والمنهج في قوله تعالى:(وَمنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق: ٢، قيل: من كل أمر ضاق على الناس به فتفصيل معاني التوحيد من شواهد الناظرين أضيق الضيق، وشهادة الجمع في التفرقة والبقاء في الفناء أخفى، وشرح غريب عن الأسماع ينكر أكثره أكثر من سمعه، غير أنّ من له نصيب منه يشهد ما رمزناه، فيكشف له به ما غطيناه، إلا أنه استولى على القلب أحد وجهين، فالخصوص أحبوه من طريق مشاهدة الصفات، فحب هؤلاء بقلب ووجد لا يتغير أبداً، وهم مثبتون فيه إلى لقاء الحبيب، وهؤلاء عبدوه على التعظيم والمحبة والإجلال والكبرياء، وفي هؤلاء المقرّبون والمحبوبون
والخائفون والعاملون والمتوكلون والراضون، وهو المقام الأعلى وهم الأعلون عنده في المنتهى، والعموم أحبوه من طريق مواجيد الأفعال، وهي النعم والإحسان والأيادي والأفضال، وعما أظهر من العوافي