لا يدخل الترتيب في صفاته أعني بقبل وبعد، ولا يوصف بوقت وحدّ ولا يشبه بالتعقيب بقوته وأحكامه أعني بثم ولم، وإذا وحتى، ولزم على ذلك أنه يعلم بنظره وينظر بعلمه، فصارت الأوائل والأواخر لديه كشيء واحد، وكانت صفاته كلها آحاداً كاملات تامات، غير محدودة للمحدودات ولا مؤقتة مرتبة للمرتبات المؤقتات، إذ لم يكن لها محدثات لأنها قديمة بقدمه وكائنة موجودة بكونه ووجوده، إذ الترتيب في النعوت من وصف الخلق والأدوات لكونها محدثة مظهرات بحدود وترتيب وأوقات، والله تعالى ليس كمثله شيء في كل الصفات، فصفاته قديمة بقدمه وكائنة موجودة بكائنته ووجوده، والأفعال محدثة مظهرات بحدود وترتيب، وأوقات بترتيب فلا موجود في الأولية ولا المشاهدة سواه ولا شريك له في القدم، ولا قيوم له في الأبد والأزل سواه قبل وجود الوقت، والحدثان ليست صفاته ذوات جهات فيتوجه إلى جهته فيدرك بصفة دون صفة، ولا ذاته ذو ذات فيقبل على مكان دون مكان فيضطره الترتيب للمخلوقات، ولا يدبر الأمور بأفكار فيشغله شأن عن شأن، ولا يدخل عليه الاعتراض فيتغير عمّا كان، ولا يخلق بآلة فيستعين بسواه، ولا يعجزه قدرة فيحتاج إلى مباشرة يديه، يخلق بيده إذا شاء وعن كلمته إن شاء، وبإرادته متى شاء وبمعاني صفاته كيف شاء، لا يضطره التكوين إلى الكلام وكلامه إليه كيف شاء، كان خزائنه في كلمته وقدرته في مشيئته، إذا تكلم أظهر وإن شاء قدر، ومتى أحب ظهر وبأي قدرة شاء استتر، هو عزيز في قربه وقريب في علوّه حجب الذات بالصفات، وحجب الصفات بالفعال، كشف العلم بالإرادة وأظهر الإرادة بالحركات، وأخفى الصنع بالصنعة وأظهر الصنعة بالأدوات، هو باطن في غيبه وظاهر بحكمه وقدرته، غيب في حكمته، وحكمته شهادة ظاهرة بمحكوماته، وهي مجاري قدرته، وصنع سر في صنعته وهي
علانية مشيئته، ليس كمثله شيء في كل صفة ولا كقوله في ماهية. لانية مشيئته، ليس كمثله شيء في كل صفة ولا كقوله في ماهية.
وقد روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، كلمة مجملة بالغة في وصف التوحيد أنه قال في خطبته: الحمد لله الذي لم يجعل السبيل إلى معرفته إلا بالعجز عن درك معرفته، وروينا عن أحمد بن أبي الحواري عن بعض علماء أهل المعرفه من أهل الشام أنه قال: رأى عزّ وجلّ خلقه قبل أن يخلقهم كما رآهم بعد ما خلقهم، وروي عن أبي سليمان الداراني أن قال: أدخلهم الجنان قبل أن يطيعوه، وأدخلهم النار قبل أن يعصوه.
وقال أيضاً: إنّ الله عزّ وجلّ أعزّ من أن يغضبه أفعال خلقه، لكنه نظر إلى قوم بعين الغضب قبل أن يخلقهم، فلما أظهرهم استعملهم بأعمال أهل الغضب فأسكنهم دار الغضب؛ وهو أكبر من أن يرضيه أفعال خلقه، ولكنه نظر إلى قوم بعين الرضا قبل أن