الكهف: ٦٩، فأخبر أنّ لهم سفينة وهي تساوي جملة وقالوا: سمي فقيراً لأنه نزعت فقرة من ظهره فانقطع صلبه من شدة الفقر فهو مأخوذ من فقار الظهر، ومال إلى هذا القول الأصمعي وهو عندي كذلك من قبل أنّ الله تعالى قدمه على الأصناف الثمانية التي جعل لهم الصدقة فبدأ به فدل على أنه هو الأحوج فالأحوج أو الأفضل فالأفضل، وقال قوم: الفقير هو الذي يعرف بفقره لظهور أمره، والمسكين هو الذي لا يفطن له ولا يؤبه به لتخفيه وتستّره، وقد جاءت السنّة بوصف هذا، في الخبر المروي: ليس المسكين الذي ترده الكسرة والكسرتان والتمرة والتمرتان إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه.
وقد قال بعض الحكماء في مثل هذا، وقد سئل: أي الأشياء أشدّ؟ فقال: فقير في صورة غني، وقيل لحكيم آخر: ما أشد الأشياء؟ قال: من ذهب ماله وبقيت عادته، وقال الفقهاء: المسكين الذي له سبب ويحتاج إلى أكثر منه لضيق مكسب أو وجود عيلة؛ فهذا أيضاً قد وردت السنّة بفقره، وذكر فضله في الحديث الذي جاء أنّ الله يحبّ الفقير المتعفف أبا العيال ويبغض السائل الملحف، وفي الخبر الآخر: أنّ الله تعالى يحبّ عبده المؤمن المحترف؛ وكل هذه الأقوال صحيحة، فالأفضل أن توضع الزكاة في الأحوج فالأحوج، والأفضل فالأفضل، من أهل العلم بالله تعالى، وأهل المعاملة وأهل الدين لله، المنقطعين عن أهل الدنيا، المشغولين بتجارة الآخرة عن تجارات الدنيا، ثم في ذي العيال بقدر عياله بمقدار غناه عن حاجاته، فيكون له بعددهم أجور أمثاله من المنفردين إذ هم جماعة، وقد كان عمر رضي الله عنه يعطي أهل البيت القطيع من الغنم العشرة فما فوقها، وكذلك في السنّة، روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يعطي العطاء على قدر العيلة، ويعطي المتأهل ضعف ما يعطي العزب، ويعطي كل رجل على قدر أهل بيته، وحدثنا عن بعض هذه الطائفة قال: صحبنا أقواماً كان برّهم لنا الألوف من الدراهم انقرضوا وجاء آخرون كان برّهم لنا المئين، ونحن بين قوم صلتهم لنا العشرات نخاف أن يجيء قوم شر من هؤلاء، وقال بعض السلف: رأينا قوماً ما كانوا يفعلون، ونخاف أن يجيء قوم يقولون ولا يفعلون، وإن اتفق ذو دين في عيلة من مساكين فذلك غنيمة المتقين، وذخيرة المنفقين، والمعروف في مثله واقع في حقيقته، وسئل ابن عمر عن جهد البلاء ما هو؟ فقال: كثرة العيال وقلة المال.
وقد جاء في الخبر: لا تأكل إلاّ طعام تقيّ ولا يأكل طعامك إلاّ تقيّ، لأن التقي تستعين به على البرّ والتقوى فيشركه في قصده، وفي الخبر أيضاً: أطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين، وفي لفظ آخر: أضف بطعامك من تحبه لله تعالى، وينبغي للموقن أن يكون يفرح ويُسرُّ بقبول معروفه من الأتقياء، لأن ذلك عمله، إن لم