للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُوم) الذاريات: ١٩، وقال تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ) الحج: ٣٦، وقال عزّ وجلّ: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقيرَ) الحج: ٢٨، فأما السائل فهو الذي يسأل بكفه ويظهر السؤال بلسانه، وأما المحروم فهو المحارف الذي حارفه الرزق أي انحرف عنه، فقد حرمه، وقيل: هو الذي لا معلوم له ولا كسب، قد حرم التصرف والتعيش، وأما القانع فهو الذي يقعد في بيته ويقنع بما آتاه الله من غير طلب ولا تعرض، وقيل: إنّ القنوع هو وصف من أوصاف المسألة من غير إلحاف ولا إلحاح، وهو اسم من الأضداد يكون القنوع العفّة والكف ويكون المسألة، وأما المعتّر فهو الذي يعرض بالسؤال ولا يصرح تحمله الحاجة على التعريض، ويوقفه الحياء عن التصريح، وأما البائس فهو الذي به بؤس وشدة من مرض أو برد أو عضب وزمانة، ثم إنّ الله تعالى قد فضل بين الفقراء والمساكين فقال أهل العلم: الفقير الدي لا يسأل، والمسكين السائل، وقيل: الفقير المحارف وهو المحروم، والمسكين الذي به زمانة، واشتقاقه من السكون، أي فقد أسكنه الفقر لما سكنه وأقلّ حركته؛ وهذه أوصاف، يقال: قد تمسكن الرجل وسكن، كما يقال: تمدرع وتدرّع إذا لبس مدرعة، فكذلك الفقير إذا كانت المسألة لبسة له، وأهل اللغة مختلفون فيهما، قال بعضهم: المسكين أسوأ حالاً من الفقير لأن الله تعالى قال: (أَوْ مِسْكيناً ذَا مَتْرَبَةٍ) البلد: ١٦، فهو الذي لا شيء له، قد لصق بالتراب من الجهد، وذهب إلى هذا القول يعقوب بن السكيت ومال إليه يونس بن حبيب، وقال: قلت مرة لأعرابي: أفقير أنت؟ فقال: لا والله بل مسكين أسوأ حالاً من الفقير، وبعضهم يؤوله على غير هذا فيقول: ذا متربة من الغنى، يقال: أترب الرجل إذا استغنى فهو مترب من المال؛ أي قد كان مترباً غنياً من أهل النعم، ثم افتقر فهذا أفضل من أعطى.

وقال بعض أهل اللغة في قوله تعالى: ذا متربة، دليل أنّ المسكين أسوأ حالاً، قال: إنّ الله تعالى لما نعته بهذا خاصة علمت أنه ليس كل مسكين بهذا النعت، ألا ترى أنك إذا قلت: اشتريت ثوباً ذا علم نعته بهذا النعت، لأنه ليس كل ثوب له علم، فكذلك المسكين الأغلب عليه أن يكون له شيء، فلما كان هذا المسكين مخالفاً لسائر المساكين بين الله تعالى نعته؛ وبهذا المعنى استدل أهل العراق من الفقهاء أنّ اللمس هو الجماع بقوله تعالى: (فَلَمَسُوهُ بِأيْديهمْ) الأنعام: ٧، أنّ اللمس يكون بغير اليد وهو الجماع، فلما قال: بأيديهم خصّ به هذا المعنى فردّوه على من احتج به من علماء الحجاز في قولهم: اللمس باليد، وقال آخرون: بل الفقير أسوأ حالاً من المسكين، لأن المسكين، يكون له الشيء والفقير لا شيء له، قال الله تعالى في أصحاب السفينة: (فَكَانَتْ لِمَسَاكينَ يَعْمَلُونَ في البَحْرِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>