لأهله، وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها في قصة الإفك: نحمد الله ولا نحمدك، فسرّه ذلك وقال لها أبو بكر لما نزل تحصينها وبراءتها: قومي فقبّلي رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: والله لا أفعل ولا أحمد إلاّ الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعها يا أبا بكر، وفي لفظ آخر أنها قالت لأبي بكر: نحمد الله ولا نحمدك، ولا نحمد صاحبك، فلم ينكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بل سرّه وأمر أباها بالكفّ عنها، وقد جعل الله تعالى من وصف الكافرين أنهم إذا ذكر الله وحده في شيء انقبضت قلوبهم، وإذا ذكر غيره فرحوا، وجعل من نعتهم أنهم إذا ذكر توحيده وإفراده عند شيء عصوا ذلك وكرهوه، وإذا أشرك غيره في ذلك صدقوا به فقال تعالى:(وَإذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشْمَأَزّتْ قُلُوبُ الَّذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذينَ مِنْ دُونِهِ إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) الزمر: ٤٥، وقال أيضاً:(ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) غافر: ١٢، والكفر: التغطية، (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) غافر: ١٢، والشرك: الخلط، أن يخلط بذكره ذكر سواه، ثم قال:(فَالحُكْمُ للهِ العَلِيِّ الكَبيرِ) غافر: ١٢، يعني لا يشركه في حكمه خلق، لأنه العلي في عظمته، الكبير في سلطانه، لا شريك له في ملكه وعطائه ولا ظهير له من عباده، ففي دليل هذا الكلام وفهمه من الخطاب أنّ المؤمنين إذا ذكر الله تعالى بالتوحيد والإفراد في الشيء انشرحت صدورهم، واتسعت قلوبهم، واستبشروا بذكر الله تعالى وتوحيده، وإذا ذكرت الأواسط والأسباب التي دونه كرهوا ذلك واشمأزت قلوبهم؛ وهذه علامة صحيحة فاعرفها من قلبك ومن قلب غيرك لنستدلّ بها على حقيقة التوحيد في القلب، أو وجود خفيّ الشرك في النفس، إن كنت عارفاً، وينبغي أن يجعل صدقته من أجل ما يقدر عليه وأطيبه في نفسه وجهده، فإنّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيباً، وزكاء الصدقة ونماؤها عند الله تعالى على حسب حلّها ووضعها في الأخص الأفضل من أهلها، وينبغي أن يستصغر ما يعطي، فإن الاستكثار من العجب، والعجب يحبط الأعمال، قال الله تعالى:(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) التوبة: ٢٥، ويقال: إنّ الطاعة كلما استصغرت كبرت عند الله تعالى، وإنّ المعصية كلما استعظمت صغرت عند الله تعالى.
وعن بعض العلماء: لا يتمّ المعروف إلاّ بثلاث: تصغيره وتعجيله وستره، وقد كانوا يدفعون في الزكاة المئين، وفي التطوّع الألوف، وكانوا يصلون الفقير بما يخرجه من حدّ الفقر، ومن الحاجة والضرّ إلى حدّ الكفاية والغنية، ويبقى لهم فضل، وعلى هذا تأويل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير الصدقة ما أبقت غني؛ أي تكفي الفقير لوقته، ويبقى له غنية واستغناء لوقت ثانٍ تستقلّ به عن المسألة والتشرّف، فيكون كأنه عمل عملاً ثانياً للمعطي غير عمله الأول بالعطاء؛ وهذا أحد تأويل الخبر، وقد وصف الله تعالى أهل الحاجة بأوصاف خمسة فرقها في كتابه فقال سبحانه