فقد روي عن علي رضي الله عنه: لأَن أصلَ أخاً من إخواني بدرهم أَحبّ إلي من أن أتصدّق بعشرين درهماً، ولأَن أصلَه بعشرين درهماً أَحبّ إليّ من أن أتصدّق بمائة درهم، ولأَن أصلَه بمائة درهم أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة، ولأنّ الله تعالى ضمّ الأصدقاء إلى الأقارب فكان فضل الصدقة على الأقارب دون البعيد كفضل الصدقة على القربة دون الأباعد، لأنه ليس يعد صلة الرحم في معناها أفضل من صلة الإخوان، وكان بعض السلف يقول: أفضل الأعمال صلة الإخوان وليقصد ببرّه من إذا دفع إليه العطاء حمد الله تعالى وشكره، ورأى النعمة منه، ولم ينظر إلى واسطة في نعمة، فإن هذا أشكر العباد لله تعالى لأن حقيقة الشكر لله بشهود النعمة منه والإخلاص بحسّ المعاملة له، وأن لا يشهد في النعمة بالعطاء والنعمة بالعمل الصالح سواه.
وفي وصية عليّ رضي الله تعالى عنه: لا تجعل بينك وبين الله تعالى منعماً، وأعدد نعمة غيره عليك مغرماً، فليقدم مثل هذا على من لو أعطاه ورزقه أثنى عليه ومدحه وشهده فيه فحمده، فيكون قد حمد غير الذي أعطاه، ونظر إلى سواه، وذكر غير الذي ذكره بالعطاء، لأنّ الذي يحمد الله ويشكره ويثني عليه برزقه ويذكره يرى أنّ الله سبحانه وتعالى هو المنعم المعطي، فينظر إليه من قرب؛ فيقين هذا بالله أنفع لصاحب المعروف عند الله من دعاء الآخر المثنى، لأنه كان سبباً لنفع موقن فيكون واضعاً للشيء في حقيقة موضعه، ومدح الآخرة ودعاؤه له لأجل أنه يراه هو المعطي فينظر إليه فيمدحه، فضعف يقين هذا بربه أشّد على المنفق من دعائه له، إن كان ناصحاً لله تعالى في خلقه ولخلق الله تعالى فيه، إلاّ أن لا ينصح لمولاه لغلبة هواه على تقواه، وجهله بعائد النفع له في عقباه، فنقص هذا حينئذ بمقامه من التوحيد أعظم من زيادته بصدقته، على أنه لا يؤمن الاستشراف من الآخر إليه، والاعتياد منه، والطمع فيه، بكلام يحبط عمله، وأيضاً فإنه إذا رآه في العطاء فإنه يراه عند المنع فيذمه ويقع فيه، فيكون هو سبب حمله عليه، وهو آمن مطمئن لهذا كله مع الموقن المشاهد، وفي الخبر أن الصدقة تقع بيد الله تعالى قبل أن تقع بيد السائل وهو يضعها في يد السائل، فالموقن يأخذ رزقه من يد الله تعالى فهو لا يعبد إلاّ الله تعالى، ولا يطلب منه إلاّ كما أمره في قوله تعالى:(فَابْتَغُوا عِنْدَ الله الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ) العنكبوت: ١٧، ووجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بعض الفقراء بمعروف، وقال للرسول: احفظ ما يقول، فلما أوصله إليه قال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يضيع من شكره، ثم قال: اللهم إنك لم تنسى فلاناً، يعني نفسه، فاجعل فلاناً لا ينساك، فأخبر الرسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك فسرّ به وقال قد علمت أنه يقول ذلك.
وقد روي هذا عن عمر وعن أبي الدرداء مع جرير رضي الله عنهم وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل: تب، فقال: أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرف الحق