المعروف إليه بدعوات شكراً لما أولاه وتأدّباً وتخلقاً بفعل مولاه، لأنه قد جعله سبباً للخير وواسطة للبرّ إذ الله سبحانه وتعالى يشهد نفسه بالعطاء، ثم قد أثنى على عبده وشكر له في الإعطاء، فليقل طهّر الله قلبك في قلوب الأبرار، وزكّى عملك في عمل الأخيار، وصلّى على روحك في أرواح الشهداء؛ فذلك هو شكر الناس، والدعاء لهم، وحسن الثناء عليهم، ومن شكرهم أيضاًِ أن لا يذمهم في المنع، ولا يعيبهم عند القبض.
فذلك تأويل الخبر: من لم يشكر الناس لم يشكر الله تعالى فإن فيه إثبات حكم الأواسط، واستعمال حسن الأدب في إظهار النعم والتخلّق بأخلاق المنعم، لأنه أنعم عليهم ثم شكر لهم كرماً منه، وكذلك في الخبر: العبد الموقن يشهد يد مولاه في العطاء، فحمد ثم شكر للمتّقين، إذ جعلهم مولاه سبب حمده، وطرقاً لرزقه.
في الخبر: من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تستطيعوا فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه، فأما شكر الله تعالى على العطاء فهو اعتقاد المعرفة أنه من الله تعالى، لا شريك له فيها، والعمل بطاعته بها، ومن فضل الصدقة أن يقصد بها الفقراء الصالحين الصادقين من أهل التصوّف والدين، ممّن يؤثر التستّر والإخفاء، ولا يكثر البث والشكوى، وممّن فيه وصف من أوصاف الكتاب للفقراء، الذين أحصروا في سبيل الله، أي حبسوا في طريق الآخرة لعيلة، أو ضيق معيشة، أو إصلاح قلب، أو قصور يد، لا يستطيعون ضرباً في الأرض، لأنهم مقصوصو الجناح، إذ المال للغني بمنزلة الجناح للطائر بماله حيث شاء من البلاد وينبسط في شهواته كيف شاء من المراد، والفقير محصور عن ذلك لا يستطيعه لقبض يده وقد رزقه، ومن هذا قوله تعالى:(قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَاري سَوْءَاتِكُمْ وَريشاً) الأعراف: ٢٦، قيل: المال، وقيل: المعاش، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف، فسمّى الله تعالى من لا يعرفهم بالفقر ولا يشهد وصفهم بالتقلّل، لظهور تعففهم عن المسألة، جاهلاً بوصف المؤمنين، ثم وكّد وصفهم وأظهر للخلق تعريفهم بياناً منه، وكشفاً لحالهم، إذ ستروها بالعفة، فقال: تعرفهم بسيماهم فالسيما هي العلامة اللازمة والخليقة الثابتة دون التحلي واللبسة الظاهرة، لا يسألون الناس إلحافاً، أي بهذه العلامة أيضاً تعرفهم إن أشكلوا عليك، فإنهم لا يسألون عفة وقناعة إلحافاً، لا يلتحفون بالأغنياء ولا يلاحفون أهل الدنيا تملّقاً وضراعة؛ أي هم منفردون بأحوالهم، أغنياء بيقينهم، أعزّة بصبرهم، والإلحاف مشتق من اللّحاف الذي يلتحف به فيلزم الجسم، فقال: ليسوا ممن يفعل ذلك، لا يلتحفون الأغنياء كاللحاف ولا يلتحفون المسألة إلزاماً كالصنعة، كما يلتحف بالثوب، فاحرص أن يكون معروفك فيمن فيه هذه الأوصاف أو بعضها، فيزكو عملك ويشكر فعلك، والأفضل في المعروف أن يؤثر الرجل إخوانه من الفقراء على غيرهم من الأجانب.