للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحياء، ولا يجعل ما لله تعالى دون ما يستجيد لنفسه، أو ما يكره أن يقتنيه لعاقبته أو يأخذه من غيره، أو مالا يستحسن أن يهديه لنبيل من العبيد، فتكون قد آثرت نفسك أو عبداً مثلك على مولاك فإن هذا من سوء الأدب ولا يقوم سوء أدب واحد في معاملة بجميع المعاملات.

وقد روي في معنى قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً) البقرة: ٢٤٥، قال: طيّباً، فإن الله تعالى طيّب لا يقبل إلاّ طيّباً، وفي حديث أبان عن أنس:

طوبى لعبد أنفق من مال اكتسبه من غير معصية، وفي الخبر: سبق درهم مائة ألف درهم، وقد تهدد الله تعالى قوماً جعلوا له ما يكرهون ووصفت ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى لا جرم فأكذبهم في قوله تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لله مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ ألسِنَتُهُمُ الكَذِبَ أنَّ لَهُمُ الحُسْنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) النحل: ٦٢، أي حقاً لهم النّار، وفي الآية وقف غريب لا يعلمه إلاّ الحذّاق من أهل العربية تقف على لا فيكون نفياً لوصفهم أنّ لهم الحسنى، ثم يستأنف بجرم أنّ لهم النار، أي كسب لهم جعلهم لله ما يكرهون النار، أي بجرمهم واكتسابهم، وإذا دعا لك مسكين عند الصدقة فأردد عليه مثل دعائه حتى يكون ذلك جزاء لقوله: وتخلص لك صدقتك وإلاّ كان دعاؤه مكافأة على معروفك، فقد كان العلماء يتحفظون من ذلك وهو أقرب إلى التواضع، ولا نرى أنك مستحق لذلك منه لما وصلته به، لأنك عامل في واجب عليك لمعبودك أو توفي للمعطي رزقه وما قسم له من تعبدك بذلك، وكانت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما إذا أرسلتا معروفاً إلى فقير قالتا للرسول: احفظ ما يدعو به ثم يردّان عليه مثل قوله، ويقولان: حتى تخلص لنا صدقتنا، وفعل ذلك عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله تعالى عنهما، ولا ينبغي أن تقتضي من الفقير الدعاء لك، أو تطالبه بذلك، أو تحبّ منه الثناء والمدح على ذلك، فإنه ينقص من الصدقة، وإذا كثر منك وقوي أحبطها، وإن كان عليه أن يدعو لك ويثني به عليك فإنما يعمل فيما تعبده مولاه به، وأمره به فلا يرى ذلك من حقك عليه، وإذا وصلت إلى الفقير معروفاً فبحسن أدب ولين جانب ولطف كلام وتذلل وتواضع.

وقد كان بعض الأدباء إذا أراد أن يدفع إلى فقير شيئاً بسط كفّه بالعطاء لتكون يد الفقير هي العليا، وبعضهم كان يضعها بين يديه على الأرض، ويسأله قبولها منه ليكون هو السائل، ولا يناوله بيده إعظاماً له؛ وهذا يدل على معرفة العبد بربه وحسن أدبه في عبادته، ومن أحبّ الثناء والذكر على معروفه كان ذلك حظه منه وبطل أجره، وربما كان عليه فضل من الوزر لمحبته الذكر والثناء فيما لله تعالى أن يفعله، وفي رزق الله لعبده الذي أجراه على يده، فإن تخلّص سواء بسواء فما أحسن حاله واستحب للفقير أن يخصّ ذا

<<  <  ج: ص:  >  >>