صاحبه، وبعضهم كان يصرّ ذلك في ثوبه وهو نائم فلا يعلم من جعله، وقد رأيت من يفعل ذلك، فأما من كان يوصل إلى الفقير على يد غيره ويستكمه شأنه فلا يحصى ذلك من المسلمين.
وفي الخبر: صدقة السرّ، وقيل صدقة الليل، تطفئ غضب الرب تعالى، وقد أخبر الله تعالى أنّ الإخفاء أفضل، ومعه يكون تكفير السيّئات، فقال سبحانه وتعالى:(وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) البقرة: ٢٧١، فإن أظهر مسكين نفسه، وكشف نفسه للسؤال، وآثر التبذل على الصون والتعفّف؛ فلا بأس أن تظهر معروفك إليه، فإن أظهرت زكاتك إرادة السّنة، والافتداء بك، والتحريض على مثل ذلك من غيرك لينافسك فيه أخوك، فيسرع إلى مثله أمثالك منهم فحسن؛ وذلك من التحاض على إطعام المسكين، وقد ندب الله إليه وقد قيده في قوله تعالى:(وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرَّاً وَعَلانِيَةً) الرعد: ٢٢، قيل سرّاً التطوّع، وعلانية الصدقة المفروضة، وكذلك قوله تعالى:(وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا الله قَرْضاً حَسَناً) المزمل: ٢،، القرض الحسن هو التطوّع، وقد قيل الحلال، كما قال:(وَرَزَقَنِي مِنْهُ رزْقاً َحسَناً) هود: ٨٨ أي حلالاً، وقد قال تعالى:(إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) البقرة: ٢٧١، فمدح المبدي بنعم إلاّ أنّ ذلك لا يحسن إلاّ إلى من أبدى نفسه كأنه هذا السائل الذي يسأل بلسانه وكفّه، وقوله تعالى:(وَإنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ) البقرة: ٢٧١ الآية، كأنها للمستخفف بالمسألة وهي لخصوص الفقراء لا يظهرون نفوسهم بما يمنعهم الحياء والتعفّف، فمن أظهر نفسه فأظهر إليه، ومن أخفاها فأخفي له، ومن ذلك كشف عورة الفاسق: إنما حرم عليك أن تظهر عورة من يخفي عنك نفسه ويستتر، فإذا أظهر نفسه بها وأعلن فلا بأس أن يظهر عليه كما جاء في الخبر: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له، وينبغي أن يجعل صدقته من أفضل ما يحبه من المال، ومن جيد ما يدخر ويقتني وتستأثر به النفوس، فيؤثر مولاه به كما أمره، وضرب المثل له فقال:(أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) البقرة: ٢٦٧ ثم قال: (وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخِبيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) البقرة: ٢٧٦، وقال في ضرب المثل بالعبيد: ولستم بآخذيه إلاّ أن تغمضوا فيه، أي لا تقصدوا الرديء فتجعلوه لله تعالى، ولو أعطى أحدكم ذلك لم يأخذه إلاّ على أغماض أي كراهية