للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن يحج على رحْل أو زاملة فإن ذلك حج المتّقين وطريق السلف، يقال: حجّ الأبرار على الرحال، وحدث سفيان الثوري عن أبيه قال: برزت من الكوفة إلى القادسية للحجّ، ووافيت الرفاق من البلدان فرأيت الحاج كلهم على زوامل وجوالقات ورواحل، وما رأيت في جميعهم إلاّ محملين، وقال مجاهد لابن عمر وقد دخلت القوافل: ما أكثر الحجاج، فقال: ما أقلّهم، ولكن قل: ما أكثر الراكب، قال: وكان ابن عمر إذا نظر إلى ما أحدث الحاج من الزوامل والمحامل يقول: الحاج قليل والركب كثير، ثم نظر إلى رجل مسكين رثّ الهيئة تحته جوالق فقال: هذا نعم الحاج، فينبغي أن يكون رثّ الهيئة، خفيف المؤونة، متقلّلاً من كل شيء، لا يحمل معه من الزاد إلاّ ما لا بدّ له منه مما يحتاج إليه، ولا يسرف في المبالغة والتناهي فيه، ولا يقتر، ولا يضيق على نفسه ورفيقه، بل يستعمل الاقتصار في كل شيء والكفاية، ويجتنب من الزي الحمرة فإن ذلك مكروه.

وروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كان في سفر، فنزل أصحابه منزلاً، فسرحت الإبل، فنظر إلى أكسية حمر على الأقتاب فقال: أرى هذه الحمرة قد غلبت عليكم، قال: فقمنا نتساعى حتى نزعناها عن ظهورها حتى شرد بعض الإبل، ثم ليجتنب من الزي الشهرة، وكل منظور إليه من الأثاث، ولا يتشبّه بالمترفين ولا بأهل الدنيا من أهل التفاخر والتكاثر فيكتب من المتكبرين، ولا يكثر التنعّم والرفاهة فإن ذلك غير مستحبّ في سبيل الله تعالى، لأن المشقّة والظمأ والمخمصة والأواء كلما كثر في سبيل اللّّه كان أفضل وأثوب، حجّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على راحلة وكان تحته رحل رثّ وقطيفة خلقة قيمته أربعة دراهم، وطاف على الراحلة لينظر الناس إليه ويهتدوا بشمائله، وقال عليه الصلاة والسلام خذوا عني مناسككم، وكان يقول: لبيك اللهم لبيك، حجّاً لا رياء فيه ولا سمعة، وقال: لبيك، أنّ العيش عيش الآخرة، وأمر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشعث والاختفاء، ونهى عن التنعّم والرفاهة، في حديث فضالة بن عبيد، وفي الخبر: إنما الحاج الشعث التفل، يقول الله تعالى لملائكته: انظروا إلى زوّار بيتي قد جاؤوني شعثاً غبراً من كل فجّ عميق، وقال الله عزّ وجلّ: (ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ) الحج: ٢٩، التفث الشعث والأغبار، وقضاؤه حلق الرأس وقص الأظافر، وكتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد: اخلولقوا واخشوشنوا أي البسوا الخلقان واستعملوا الخشونة من الأشياء، وبعض أصحاب الحديث يصف هذه الحروف يقول: احلقوا من الحلق، ولا يجوز أن يأمرهم بإسقاط سنة كيف، وقد قال لصبيغ حين توسّم في مذهب الخوارج: اكشف رأسك، فرآه ذا ضفيرتين فقال: لو كنت محلوقاً لضربت عنقك، ولينح مثال أهل اليمن في الزي والأثاث، فإن الاقتداء بهم والاتباع لشمائلهم في الحجّ طريقة السلف على ذلك الهدى والوصف، كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، وما عدا

<<  <  ج: ص:  >  >>