للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصفهم وخالف هديهم، فهو محدث ومبتدع، ولهذا المعنى قيل: زين الحجيج أهل اليمن لأنهم على منهاج الصحابة وطريقة السلف، وقيل في مدحهم بالتقلّل والانفراد: لا يغلون سعراً ولا يضيقون طريقاً، وقد كان العلماء قديماً إذا نظروا إلى المترفين قد خرجوا إلى مكة يقولون: لا تقولوا خرج فلان حاجّاً، ولكن قولوا: خرج مسافراً، ويقال: إنّ هذه المحامل والقباب أحدثها الحجاج بن يوسف، فركب الناس سنتّه، وقد كان العلماء في وقته ينكرونها ويكرهون الركوب فيها، وأخاف أنّ بعض ما يكون من تماوت الإبل يكون ذلك سببه لثقل ما يحمل، ولعله عدل أربعة أنفس وزيادة مع طول الشقة وقلة الطعم، وينبغي أن يقلّل من نومه على الدابة، فإنه يقال: إنّ النائم يثقل على البعير، وقد كان أهل الورع لا ينامون على الدواب إلاّ من قعود يغفون غفوة بعد غفوة، وكانوا أيضاً لا يقفون عليها الوقوف الطويل لأن ذلك يشق عليها.

وفي الحديث: لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسي، ولا يحمل على الدابة المكتراة إلاّ ما قاضى عليه الجمال أو ما أعلمه به، وقال رجل لابن المبارك: احمل لي هذا الكتاب معك، فقال: حتى أستأمر الجمال، فإني قد اكتريت، ولينزل عن دابته غدوة وعشية يروحها بذلك، ففيه سنّة وآثار عن السلف، وقد كان بعض السلف يكتري لازماً ويشترط أن لا ينزل، ثم إنه ينزل للرواح ليكون ما رفه عن الدابة من حسناته محتسباً له في ميزانه، وبعض علماء الظاهر يقول: إنّ الحج راكباً أفضل لما فيه من الإنفاق والمؤونة، ولأنه أبعد لضجر النفس، وأقل لأذاه وأقرب لسلامته وتمام حجه، فهذا عندي بمنزلة الإفطار يكون أفضل إذا ساء عليه خلقه، وضاق به ذرعه، وكثر عليه ضجره، لأن حسن الخلق وانشراح الصدر أفضل، وقد يكون كذلك لبعض الناس دون بعض ممن يكون حاله الضجر ووصفه التسخط وقلة الصبر، أو لم يمكن المشي، وسألت بعض فقهائنا بمكة وكان ورعاً عن تلك العمر التي تعتمر من مكة إلى التنعيم، وهو الذي يقال له مسجد عائشة، وهو ميقاتنا للعمرة في طول السنة أي ذلك أفضل المشي في العمرة، أو يكتري حماراً بدرهم يعتمر عليه فيقال: يختلف ذلك على قدر شدته على الناس، فإن كان إنفاق الدرهم أشدّ عليه من المشي فالاكتراء أفضل لما فيه من إكراه النفس عليه وشدته عليها، ومن كان المشي عليه أشق فالمشي أفضل لما فيه من المشقة، ثم قال: هذا يختلف لاختلاف أحوال الناس من أهل الرفاهية والنعمة، فيكون المشي عليهما أشد، وعندي أنّ الاعتمار ماشياً أفضل، وكذلك الحج ماشياً لمن أطاق المشي ولم يتضجر به وكان له همة وقلب، وقد روينا في خبر من طريق أهل البيت: إذا كان في آخر الزمان خرج الناس للحج أربعة أصناف؛

<<  <  ج: ص:  >  >>