سكونهم عن المعهود، أنّ أبا قحافة وأبا سفيان ماتا مؤمنين، وأنّ أبا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمه ماتا كافرين، أجمع أهل النقل والتواريخ على ذلك، وقال أبو بكر الصدّيق رضي الله تعالى عنه لما أسلم أبوه بين يدي رسول الله عام فتح مكة: والله يا رسول الله لإسلام أبي طالب كان أحبّ إليّ لو أسلم من إسلام أبي ليقرّ الله به عينك، فبكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأيضاً، فلما سبق في علم الله تعالى أن يجعل هؤلاء الأربعة خلفاء النبوة بما قدّر الله من أعمارهم، فلم يكن يتم ذلك إلاّ بترتيبهم على ما رتبوا في الخلافة، فكان آخرهم استخلافاً هو آخرهم موتاً، فدبر خلافتهم على ما علم من آجالهم، ووفى لهم بما وعدهم من استخلافهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم من خلائف أنبيائه السوالف، ومكّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وبدلهم أمناء بعد خوفهم، كما قال الصادق فيما عهد، ومن أوفى بعهده من الله، فذلك تأويل قوله عزّ وجلّ:(وَعَدَ الله الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَالِحَاتِ ليستَخلفَنَّهُم في الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) النور: ٥٥ الآية، وأن يعتقد أنّ الإمامة في قريش خاصة دون سائر العرب كافة إلى يوم القيامة، وأن لا يخرج على الأئمة بالسيف، ويصبر على جورهم إن كان منهم، ويشكر على المعروف والعدل، ويطيع إذا أمر بالتقوى والبر حتى تأتيه يد خاطئة أو منية قاضية، كذلك السنّة، قال عالمنا أبو محمد سهل رحمه الله تعالى: هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة: اثنتان وسبعون هالكة، كلّهم يبغض السلطان، والناجية هذه الواحدة التي مع السلطان، وسئل أي الناس خير؟ فقال: السلطان، قيل: كنا نرى أنّ شرّ الناس السلطان، فقال: مهلاً إن لله تعالى في كل يوم نظرتين، نظرة إلى سلامة أموال المسلمين ودمائهم، ونظرة
إلى سلامة أفكارهم، فيطلع في صحيفته فيغفر له ذنوبه، وقال أبو محمد الخليفة إذا كان غير صالح فهو من الأبدال، وإذا كان صالحاً فهو القطب الذي تدور عليه الدنيا، قوله من الأبدال يعني أبدال الملك، كما حدثنا عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: أبدال الدنيا سبعة، على مقاديرهم يكون الناس في كل زمان من العباد، والعلماء، والتجار، والخليفة، وزير، وأمير الجيش، وصاحب الشرطة، والقاضي وشهوده، روينا في الخبر: عدل ساعة من إمام عادل خير من عبادة ستين سنة، ويقال: إن الإمام العادل يوضع في ميزانه جميع أعمال رعيته، وكان عمرو بن العاص يقول: إمام غشوم خير من فتنة تدوم، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون عليكم أمراء يفسدون وما يصلح الله تعالى بهم أكثر، فإن أحسنوا فلهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساؤوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر، وفي الخبر الآخر، يليكم أمراء