يقولون ما لا يعرفوه ويفعلون ما ينكرون، وفي لفظ يفعلون ما لم يؤمروا، قلنا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلّوا. لى سلامة أفكارهم، فيطلع في صحيفته فيغفر له ذنوبه، وقال أبو محمد الخليفة إذا كان غير صالح فهو من الأبدال، وإذا كان صالحاً فهو القطب الذي تدور عليه الدنيا، قوله من الأبدال يعني أبدال الملك، كما حدثنا عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: أبدال الدنيا سبعة، على مقاديرهم يكون الناس في كل زمان من العباد، والعلماء، والتجار، والخليفة، وزير، وأمير الجيش، وصاحب الشرطة، والقاضي وشهوده، روينا في الخبر: عدل ساعة من إمام عادل خير من عبادة ستين سنة، ويقال: إن الإمام العادل يوضع في ميزانه جميع أعمال رعيته، وكان عمرو بن العاص يقول: إمام غشوم خير من فتنة تدوم، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون عليكم أمراء يفسدون وما يصلح الله تعالى بهم أكثر، فإن أحسنوا فلهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساؤوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر، وفي الخبر الآخر، يليكم أمراء يقولون ما لا يعرفوه ويفعلون ما ينكرون، وفي لفظ يفعلون ما لم يؤمروا، قلنا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلّوا.
وفي الحديث الآخر: ما أقاموا الصلاة، وكان سهل رحمه الله تعالى يقول: من أنكر إمامة لسطان فهو زنديق، ومن دعاه السلطان فلم يجب فهو مبتدع، ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل، وكان يقول: الخشيبات السود المعلقة على أبوابهم أنفع للمسلمين من سبعين قاضياً يقضون في المسجد، وقد كان أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول: إذا كان السلطان صالحاً فهو خير من صالحيّ الأمة، وإذا كان فاسقاً فصالحو الأمة خير منه؛ وهذا قول عدل، ولا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب وإن عظم، ولا ينزله جنة ولا ناراً بل يرجو له ويخاف عليه، وإن من مات مصرّاً على الكبائر عن غير توبة منها في مشيئة الله تعالى، إن أثبت وعيده عليه كان عدلاً، وإن عفا عنه وسمح له بحقه كان ذلك منه فضلاً، ولا نحكم ولا نقطع على الله تعالى بشيء، ولا نوجب لنا عليه شيئاً إنما نحن بين عدله وفضله وبمشيئته واختياره، إن حقّق علينا وعيده فنحن أهل ذلك، وإن غفر لنا فهو أهل التقوى وأهل المغفرة، كيف وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من وعده الله تعالى على عمل ثواباً فهو ينجزه له، ومن أوعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار، والحديث الآخر أنّ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن قوله تعالى:(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيها) النساء: ٩٣ فقال: جزاؤه جهنم إن جازاه، ففي كل قضاء الله تعالى حكمة بالغة وعدل، وحكم صادق وحق، وإن يصدق بجميع أقدار الله تعالى خيرها وشرها أنها من الله تعالى سابقة في علمه جارية في خلقه بحكمه، وأنهم لا حول لهم عن معصيته إلاّ بعصمته، ولا قوّة لهم على طاعته إلاّ برحمته، وأنهم لا يطيقون ما حملهم إلاّ به، ولا يستطيعون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً إلاّ بمشيئته، ونؤمن بقدرة الله وآياته في ملكه وغيب ملكوته مما ذكر في الأخبار من كرامته لأوليائه، وإجاباته لأحبائه، وإظهار القدرة للصدّيقين والصالحين، مزيداً لإيمانهم وتثبيتاً ليقينهم وتكرمة وتشريفاً لهم، وأنه ليس في ذلك إبطال لنبوّة الأنبياء ولا إدحاض حججهم من قبل أنّ هؤلاء غير مثبتين ولا مخالفين للأنبياء، ولا ادّعوا ما ظهر لهم بحولهم وقوّتهم، ولا أظهروا دعوة إلى أنفسهم، ولا تظاهراً به، ولا اجتلاباً للدنيا، ولا طلباً للرياسة على أهلها، وإنما هو شيء كشفه الله تعالى لهم من سرّ ملكوته كيف شاء،