للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأظهرهم عليه من غيب قدرته أين شاء كما شاء، تخصيصاً لهم وتعريفاً، وهم للأنبياء متبعون، وعلى آثارهم مقتفون، ولسنّتهم مقتدون، فآتاهم الله تعالى ذلك ببركة الأنبياء وبحسن اتباعهم لهم، ولأنهم إخوانهم أبدالاً لا أشكالاً وعنهم أمثالاً، وقد تواترت الأخبار من الصحابة والتابعين الأخيار بما ذكرنا فغنينا بالتواتر عن التناظر.

وأما الثماني الواقعات في الآخرة فأن يعتقد العبد مساءلة منكر ونكير يقعدان العبد في قبره سوياً ذا روح وجسد، فيسألانه عن التوحيد وعن الرسالة؛ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، وهما فتانا القبر، كذلك روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو معنى قول الله عزّ وجلّ: (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفي الآخرة) إبراهيم: ٢٧، قيل: عند مساءلة منكر ونكير، ويضلّ الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء، وعذاب القبر حقّ وحكمة وعدل على الجسم والروح والنفس، يشتركون في ذلك حسب اشتراكهم في المعصية، وإن كان نعيماً كان ذلك على الجسم والروح والنفس، يشتركون في النعيم كما اشتركوا في الطاعة؛ وهذا من أحكام الآخرة، يكون بمجاري القدرة ليس على ترتيب المعقول ولا عرف العقول، يوصل الله العذاب والنعيم إلى الأرواح والأجسام وهي متفرقة فيتصل ذلك بهما كأنهما متفقان، وليس في القدرة مسافة ولا ترتيب ولا بعد ولا توقيت، ويؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان أنه حق وعدل وحكمة وفضل، كما جاء وصفه في العظم، من أنّ طبقات السماوات والأرض توزن فيه الأعمال بقدرة الله تعالى، والصنج يومئذ مثاقيل الذرّ والخردل بحقيقة العدل، وقد خاب من حمل ظلماً فتكون الحسنات في صورة حسنة تطرح في كفة النور فيثقل بها الميزان برحمة الله تعالى، وتكون السيّئات في صورة سيئة تطرح في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله تعالى، ويعتقد أنّ الصراط حقّ على ما جاء وصفه في الآثار كدقة الشعرة وحدّ السيف؛ وهو طريق الفريقين إلى الجنة أو النار، دحض مزلة يثبت عليه أقدام المؤمنين بقدرة الله عزّ وجلّ، فيحملهم إلى الجنة بفضل الله تعالى، وتزل عنه أقدام المنافقين فتهوي بهم في النار بحكم الله عزّ وجلّ، وهو على متن جهنم بإذن الله تعالى، من قطعه نجا منها برحمة الله، ومن زلّ عنه وقع فيها بحكمة الله تعالى، ويؤمن بوقوع الحساب وتفاوت الخلق فيه، فمنهم من يحاسب حساباً يسيراً، ومنهم من يدخل النار بغير حساب؛ وهم الكافرون، وكان إمامنا أبو محمد رحمه الله تعالى يقول: يسأل الأنبياء عن تبليغ الرسالة، ويسأل الكفّار عن تكذيب المرسلين، ويسأل المبتدعة عن السنّة، ويسأل المسلمون عن الأعمال، فقولنا لقوله تبع، ويؤمن بالنظر إلى الله جلّ جلاله عياناً بالأبصار كفاحاً مواجهة تكشف الحجب والأستار بقدرة الله ومشيئته ونوره ورحمته كيف شاء؛ وهو معنى قول الله تعالى: (لِلَّذينَ أَحْسَنُوا الحُسْنى وَزِيَادَةَ) يونس: ٢٦، فالحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى الله تبارك

<<  <  ج: ص:  >  >>