للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعالى، وكذلك فسّره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويعتقد إخراج الموحدين من النار بعد الانتقام حتى لا يبقى في جهنم موحّد بفضل الله بشفاعة الشافعين من النبيّين والصدّيقين، وأنّ لكل مؤمن شفاعة بإذن الله، فيشفع النبيوّن والصديقون والعلماء والشهداء وسائر المؤمنين كل واحد وسع جاهه وقدر منزلته، أجمعت الرواة بذلك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إثبات الشفاعة وفي إخراج الموحدين من النار؛ وهم الجهنميون من أهل الطبقة العليا من النار؛ وهو معنى قول الله تعالى: (رُبَّمَا يَوَدُّ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمينَ) الحجر: ٢، قال أهل التفسير ذلك عند إخراج الموحدين من النار، ويبقى الباقي لرحمة أرحم الراحمين، فيخرج من النار بمشيئته، وسعة رحمته، وفضل فضله، من لم يشفع لهم الشافعون ولم يقدم في الشفاعة لهم المرسلون، هكذا روينا معناه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهذه عقود السنّة الهادية وطريقة الأمة الراضية، وقد أجمع السلف من المؤمنين على ما ذكرناه من قبل أنه لم ينقل عن أحد منهم خلافه، ولا روي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضدّه، بل قد روي في كل ما ذكرناه أخبار توجب إيجابه ومعانٍ تشهد لإثباته وتولى الله تعالى إجماعهم على سنّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما تولى إظهار دينه على الدين كلّه.

وروينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنّ الله عزّ وجلّ ضمن لي، وفي لفظ آخر: أعطاني أن لا تجتمع أمتي على ضلالة، فإذا رأيتم خلافاً فكونوا مع السواد الأعظم؛ والسواد الأعظم يعبّر به عن الكثرة، فالمختلفون متفقون على أنّ السواد الأعظم ما عليه العامة من المسلمين والكافة من العموم، وأنّ المبتدعة والمخالفة لما ذكرناه إنما هم فرق وشراذم قليلون وشيع وأحزاب متفرقون، لأن كل مبتدعة منهم فرقة، وكل شرذمة منهم مختلفة، وليس السواد الأعظم والجمّ الغفير الدهماء إلاّ أهل السنة والجماعة؛ وهم السواد والعامة، ولذلك كان عمر ابن عبد العزيز وغيره من الصالحين يقولون: ديننا دين العجائز وصبيان المكاتب ودين الأعراب أي هو القوي السليم العام، فسّر ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الآخر فقال: من كان على ما أنتم عليه اليوم، فأجمعت الأمة على أنّ ما أحدثت الفرق المختلفة لم تكن عليه الصحابة ولا تكلموا فيه ولا نقل عنهم، وأنهم كانوا على ما ذكرناه آنفاً، لأنه لم يرو عن أحد منهم خلافه، بل قد نقل عنهم وفاقه في القرن الأول والثاني، ثم حدث ما ذكرناه من الخلاف في بعض القرن الثالث، وفي القرن الرابع، وقد كان عمرو بن دينار وأيوب وحماد بن زيد إذا ذكر أحدهم الأرجاء ومذهب جهم يقول: لعن الله ديناً أنا أكبر منه؛ يعني أنه سبق حدوث هذه المذاهب التي تدين بها المبتدعون فلله الحمد؛ ربّ السموات وربّ الأرض؛ العالمين على حسن توفيقه وجميل هدايته، وما كنا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله، فنعمة الله تعالى علينا بالسنّة كنعمتة علينا بالإسلام إذ نعمته علينا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنعمته علينا بمعرفته لاقتران

<<  <  ج: ص:  >  >>