للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والزيادة فيها وهو أن يزيد في شعر العارضين من الصدغ من شعر الرأس حتى يجاوز عظم اللحى وذلك هو حدّ اللحية، أو ينقص من العظمين إلى نصف الخد وذلك مثله وهو نقصان من اللحية، ومن ذلك تسريحها لأجل الناس تصنّعاً أو تركها لأجل الناس شعثة مفتلة مغبرة إظهاراً للزهد أو التهاون بالقيام على النفس لأنه قد عرف بذلك، ومن ذلك النظر إلى سوادها عجباً بها وخيلاء وغرة بالشباب وفخراً؛ ومن ذلك النظر إلى بياضها تكبّراً بكبر السنّ وتطاولاً على الشبان فيحجبه نظره إليها عن النظر إلى نفسه من تعلّم العلم وتعلّم القرآن الذي لا يسعه جهله والسؤال عمّا يجهله استصغاراً لغيره من الشباب، أو حياء من شيبه، أو استنكافاً منه، فيظن بجهله أنّ كثرة الأيام التي بيّضت شعر لحيته أعطته فضلاً أو جعلت فيه علماً، ولا يعلم أنّ العقل غرائز في القلوب وأنّ العلم مواهب من علاّم الغيوب، ومن كانت غريزته الحمق وطبيعته الجهل كثرت حماقته كلما كبر وعظمت هالته إذا أسنّ، وقد روينا جميع ذلك في كثير من الناس وهذا كله محدث وهو ضاهي سنن الجسد الاثنتي عشرة في العدد، ومما جاء في جمل معاني ما ذكرناه من الكراهة أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: حفوا الشوارب واعفوا اللحى، فقوله: حفوا أي اجعلوها حفافي الشفة أي حولها، لأنّ حفاف الشيء حوله، ومن ذلك قوله عزّ وجلّ: (وَتَرَى المَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرشِ) الزمر: ٧٥، وكان بعض العلماء يكره حلق الشارب حتى تظهر البشرة ويراه بدعة، وقد كان مالك بن أنس وبعض علماء المدينة يقولون: حلق الشارب مثله إنما هو الأخذ منه حتى يبدو الإطار والإطار حروف الشفة من فوق.

وفي الحديث لفظة أخرى: أحفوا الشوارب، والإحفاء هو الاستئصال والاستقصاء؛ وهو أبلغ من قوله: حفوا، ومن هذا قوله عزّ وجلّ: (إنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) محمد: ٣٧ أي يستقصي عليكم، وقد كان كثير من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحفي شاربه، ونظر بعض التابعين إلى رجل أحفى شاربه، فقال: ذكرتني أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فقلت هكذا كانوا يحفون شواربهم، فقال: نعم وأشد من هذا كالحلق، وليس الإحفاء حلقاً إلاِ أنه شبيه به، وقد روينا في هذا الحديث ثلاثة ألفاظ أخر وهو: خذوا من الشوارب فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأخذ من شاربه، وروي قصوا الشوارب، وجزوا الشوارب؛ فهذه الثلاثة بمعنى واحد وهو يقتضي أخذ بعضه وترك البعض ليست كالإحفاء، وقال المغيرة بن شعبة: نظر إليّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد عفا شاربي فقال تعال: فقصه لي على سواك فهذا نص من فعله في أخذ الشارب، وقد رويت لفظة غريبة طروا الشوارب طراً؛ والطرّ أن يؤخذ من فوق الشارب ومن تحته يستدق، والطرّ الدقيق المستطيل المستخرج من شيء أكثر منه حتى يحمل على وصف

<<  <  ج: ص:  >  >>