للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوصف ويشهد غيره في الذم والمقت انقلب قلبه عن وجهة الصادقين وتنكب بقصده عن صراط الخائفين فهلك وأهلك لأن من شهد البعد في القرب لطف به بالخوف، ومن شهد القرب في البعد مكر به في الأمن، وقال بعض العلماء: كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة حتى تلوته كأني أسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتلوه على أصحابه ثم رفعت إلى مقام فوقه فكنت أتلوه كأني أسمعه من جبريل عليه السلام يلقيه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم جاء الله بمنزلة أخرى فأنا الآن أسمعه من المتكلم عزّ من قائل فعندها وجدت له نعيماً ولذة لا أصبر عنها، وقال عثمان رضي الله عنه: أو حذيفة لو طهرت القلوب لم تشبع من تلاوة القرآن، وقال ثابت البناني: كابدت القرآن عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة، وقال بعض علمائنا: لكل آية ستون ألف فهم وما بقي من فهمها أكثر، وعن علي رضي الله عنه: لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب، وعن أبي سليمان الداراني: إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال وذكر خمس ليال ولولا أني أقطع الفكر فيها لما جاوزتها إلى غيرها.

وروينا عن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ منها، وحدثنا عن بعض العارفين قال: لي في كل جمعة ختمة؛ وفي كل شهرختمة؛ وفي كل سنة ختمة؛ ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد، يعني ختمة التفهم والمشاهدة، وكان هذا يقول أقمت نفسي في العبودية مقام الأجراء فأنا أعمل مياومة ومجامعة ومشاهرة ومسانهة وإنما حجب الخلق عن فهم كنه الكلام ومعرفة سرّ المراد لأنه حجبهم عن حقيقة كنه معرفته وإنما أعطاهم من معرفة الكلام بقدر ما أعطاهم من معرفة المتكلم إذ بمعاني كلامه تعرف معاني صفاته وأفعاله وأحكامه ولأن معاني كلامه من معاني أوصافه وأخلاقه، فلذلك جاء فيه السهل اللطيف والشديد العسوف والمرجو والمخوف، لأن من أوصافه الرحمة واللطف والانتقام والبطش، فلما لم يصلح أن يعرفوه كعلمه بنفسه لم يصلح أن يعلم كنه كلامه إلا هو، ويعرف كنه صفاته إلا هو، فأعلم الخلق لمعاني كلامه أعرفهم لمعاني الصفات وأعرف العباد بمعاني الأوصاف والأخلاق وغوامض الأحكام أعرفهم بسرائر الخطاب ووجه الحروف ومعاني باطن الكلام، وأحقهم بذلك أخشاهم له أقربهم منه، وأقربهم منه من خصّه بأثرته وشمله بعنايته، فقد جاء في الخبر: أحسن الناس صوتاً بالقرآن من إذا قرأ رأيت أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>