للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخشى الله، ولا يخشاه حتى يعرفه، ولا يعرفه حتى يعامله ولا يعامله حتى يقربه، ولا يقربه حتى يعني به، وينظر إليه، فعندها يعرف سرّ الخطاب ويطلع على باطن الكتاب، فإذا سجد العبد سجود القرآن فليدع في سجدته بمعاني الآية من الخير وليستعذ من معاني شرّها فإن ذلك فعل العلماء بالقرآن والله يحب ذلك، ولتلك المعاني أسجدهم له مثل أن يقرأ قوله عزّ وجلّ: (خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) السجدة: ١٥، فيقول اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك أو على أوليائك، ومثل هذا قوله عزّ وجلّ: (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزيدُهُمْ خُشُوعاً) الإسراء: ١٠٩، فليقل: اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك وعلى هذه المعاني ونحوها وليكن القرآن هو علمه وعمله وذكره ودعاؤه وهمّه وشغله فعنه يسأل وعليه يثاب ومقامه منه وذكره فيه وأحواله فيه مجموع له ذلك كله فيه، فبكلامه عرفه العارفون وبمخاطبته شهد أوصافه الموقنون فعلومهم من كلامه ومواجيدهم عن علومهم ومشاهدتهم عن معاني أوصافه وكلامهم عن مشاهدتهم لأن ضروب الكلام عن الله هي معاني الصفات: فمنه كلام راضٍ ومنه كلام غضبان ومنه كلام منعم وكلام منتقم وكلام جبّار متكبّر وحنّان متعطّف، فإذا كان العبد من أهل العلم بالله والفهم عنه والسمع من الله عزّ وجلّ والمشاهدة له شهد ما غاب عن غيره وأبصر ما عمي عنه سواه، وقد قال سبحانه وتعالى: (فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ) (وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ) الحاقة: ٣٨ - ٣٩ وقال عزّ وجلّ: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولي الأَبْصَارِ) الحشر: ٢ معناه في الفهم أعبروا إليّ فقد أبصرتم فالتاء قد تكون بمعنى تاء التفعل تدخل للتحقيق والوصول بالوصف والمبالغة في الفعل فلما أعطاهم الأيدي والأبصار عبروا بقواهم إلى ما أبصروا ففروا إلى الله عزّ وجلّ من الخلق حين ذكروه بما خلق فخرجوا على معيار حسن الابتلاء ولم ينقصهم البلاء شيئاً فكانوا كما أخبروا كالذي أمر في قوله عزّ وجلّ: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الذاريات: ٤٩، ففروا إلى الله ثم قال: (وَلاَ تَجْعَلُوا مَعَ الله إِلهاً آخَرَ) الذاريات: ٥١ فكانوا هم الموحدون المخلصون له وكان هو المنفرد المستخلص لهم ثم جاوزوا التذكرة بالأشياء إليه فذكروه عنده به، فحينئذ هربوا إليه منه حين هللوه به فلم يتألهوا إلى ما سواه كما لم يعبدوا إلا إياه وكذلك رأيتها في مصحف عبد الله ففروا إلى الله منه إني لكم منه نذير مبين، وفي الخبر عن ابن مسعود وبعض الرواة يرفعه وقد روينا مسنداً من طريق وهو خصوص العارفين من المحبين والخالصين اطلعوا على السرّ وأوقفوا على الخبر فكانوا مقربين شاهدين أن للقرآن ظهراً وبطناً وحداً ومطلعاً فنقول فظهره لأهل العربية وباطنه لأهل اليقين وحده لأهل الظاهر ومطلعة لأهل الأشراف وهم العارفون المحبون

<<  <  ج: ص:  >  >>