أم سَلمَة: يَا نَبِي الله، أَتُحِبُّ ذَلِك؟ اخْرُج، ثمَّ لَا تكلم أحدا مِنْهُم كلمة حَتَّى تنحر بدنك، وَتَدْعُو حالقك فيحلقك. فَخرج فَلم يكلم أحدا مِنْهُم حَتَّى فعل ذَلِك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك قَامُوا فنحروا، وَجعل بَعضهم يحلق بَعْضًا، حَتَّى كَاد بَعضهم يقتل بَعْضًا غماً.
ثمَّ جَاءَهُ نسَاء مؤمناتٌ، فَأنْزل الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} حَتَّى بلغ: {بعصم الكوافر} [الممتحنة] فَطلق عمر يومئذٍ امْرَأتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشّرك، فَتزَوج إِحْدَاهمَا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، وَالْأُخْرَى صَفْوَان بن أُميَّة.
ثمَّ رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة، فجَاء أَبُو بَصِير - رجل من قُرَيْش - وَهُوَ مُسلم، فأرسلوا فِي طلبه رجلَيْنِ فَقَالُوا: الْعَهْد الَّذِي جعلت لنا. فَدفعهُ إِلَى الرجلَيْن، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بلغا ذَا الحليفة، فنزلوا يَأْكُلُون من تمر لَهُم. فَقَالَ أَبُو بَصِير لأحد الرجلَيْن: وَالله إِنِّي لأرى سَيْفك هَذَا يَا فلَان جيدا، فاستله الآخر فَقَالَ: أجل، وَالله إِنَّه لجيد، لقد جربت بِهِ ثمَّ جربت بِهِ، ثمَّ جربت. فَقَالَ: أَبُو بَصِير: أَرِنِي أنظر إِلَيْهِ، فأمكنه مِنْهُ، فَضَربهُ حَتَّى برد، وفر الآخر حَتَّى أَتَى الْمَدِينَة، فَدخل الْمَسْجِد يعدو. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رَآهُ: " لقد رأى هَذَا ذعراً " فَلَمَّا انْتهى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قتل - وَالله - صَاحِبي، وَإِنِّي لمقتول، فجَاء أَبُو بَصِير فَقَالَ: يَا نَبِي الله، قد أوفى الله ذِمَّتك، قد رددتني إِلَيْهِم، ثمَّ أنجاني الله مِنْهُم. قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ويل أمه، مسعر حربٍ، لَو كَانَ لَهُ أحدٌ " فَلَمَّا سمع ذَلِك عرف أَنه سيرده إِلَيْهِم.
فَخرج حَتَّى أَتَى سيف الْبَحْر، ويفلت مِنْهُم أَبُو جندل بن سُهَيْل، فلحق بِأبي بَصِير، فَجعل لَا يخرج من قُرَيْش رجل قد أسلم إِلَّا لحق بِأبي بَصِير، حَتَّى اجْتمعت مِنْهُم عِصَابَة، فوَاللَّه مَا يسمعُونَ بعيرٍ خرجت لقريش إِلَى الشَّام إِلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute