وَحَدِيث إِسْحَاق أتم، وَقد وَقع لنا متنة بِطُولِهِ من حَدِيث ابْن إِسْحَاق وَأخرجه أَبُو بكر البرقاني فِي كِتَابه بِالْإِسْنَادِ من رِوَايَة ابْن إِسْحَق عَن يحيى بن عُرْوَة عَن عُرْوَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ:
قلت لَهُ: مَا أَكثر مَا رَأَيْت قُريْشًا نَالَتْ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا كَانَت تظهر من عداوته؟ قَالَ: حَضرتهمْ وَقد اجْتمع أَشْرَافهم يَوْمًا فِي الْحجر، فَذكرُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: مَا رَأينَا مثل مَا صَبرنَا على هَذَا الرجل، سفه أَحْلَامنَا، وَشتم آبَاءَنَا، وَعَابَ ديننَا، وَفرق جماعتنا، وَسَب آلِهَتنَا، وَلَقَد صَبرنَا مِنْهُ على أمرٍ عَظِيم - أَو كَمَا قَالُوا. فَبَيْنَمَا هم فِي ذَلِك إِذا طلع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأقبل يمشي حَتَّى اسْتَلم الرُّكْن، ثمَّ مر بهم طَائِفًا بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا مر بهم غَمَزُوهُ بِبَعْض القَوْل. قَالَ: فَعرفت ذَلِك فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ مضى، فَلَمَّا مر بهم الثَّانِيَة غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَعرفت ذَلِك فِي وَجهه، ثمَّ مضى، فَمر بهم الثَّالِثَة فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، حَتَّى وقف ثمَّ قَالَ:" أتسمعون يَا معشر قُرَيْش، أما وَالَّذِي نفس محمدٍ بِيَدِهِ، لقد جِئتُكُمْ بِالذبْحِ " قَالَ: فَأَطْرَقَ الْقَوْم حَتَّى مَا مِنْهُم رجلٌ إِلَّا كَأَنَّمَا على رَأسه طائرٌ وَاقع، حَتَّى إِن أَشَّدهم فِيهِ وصاةً قبل ذَلِك ليرفأه بِأَحْسَن مَا يجد من القَوْل، حَتَّى إِنَّه ليقول: انْصَرف يَا أَبَا الْقَاسِم راشداً، فوَاللَّه مَا كنت جهولاً. قَالَ: فَانْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
حَتَّى إِذا كَانَ الْغَد، اجْتَمعُوا فِي الْحجر وَأَنا مَعَهم، فَقَالَ بَعضهم لبَعض: ذكرْتُمْ مَا بلغ مِنْكُم وَمَا بَلغَكُمْ عَنهُ، حَتَّى إِذا بادأكم بِمَا كُنْتُم تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ. فَبَيْنَمَا هم فِي ذَلِك طلع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَثَبُوا عَلَيْهِ وثبة رجل وَاحِد فأحاطوا بِهِ، يَقُولُونَ: أَنْت الَّذِي تَقول كَذَا وَكَذَا؟ لما كَانَ بَلغهُمْ من عيب آلِهَتهم وَدينهمْ، قَالَ: فَيَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " نعم، أَنا الَّذِي أَقُول ذَلِك " قَالَ: فقد رَأَيْت مِنْهُم رجلا أَخذ بمجمع رِدَائه. قَالَ: وَقَامَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ دونه يَقُول وَهُوَ يبكي: وَيْلكُمْ، أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول: رَبِّي الله. قَالَ: ثمَّ انصرفوا عَنهُ. فَإِن ذَلِك لأشد مَا رَأَيْت قُريْشًا بلغت مِنْهُ قطّ.