للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَقد كَانَ علم التَّيَمُّم عِنْد عمارٍ وَغَيره، وَغَابَ عَن عمر وَابْن مَسْعُود حَتَّى قَالَا:

لَا يتَيَمَّم الْجنب وَلَو لم يجد المَاء شَهْرَيْن. وَكَانَ حكم الْمسْح على الْخُفَّيْنِ عِنْد عَليّ وَحُذَيْفَة وَلم تعلمه عَائِشَة وَلَا ابْن عمر وَلَا أَبُو هُرَيْرَة، على أَنهم مدنيون. وَكَانَ تَوْرِيث بنت الابْن مَعَ الْبِنْت عِنْد ابْن مَسْعُود وَغَابَ عَن أبي مُوسَى. وَكَانَ حكم الاسْتِئْذَان عِنْد أبي مُوسَى وَأبي سعيد وَأبي، وَغَابَ عَن عمر. وَكَانَ حكم الْإِذْن للحائض فِي أَن تنفر قبل أَن تَطوف عِنْد ابْن عَبَّاس وَأم سليم وَلم يُعلمهُ عمر وَزيد ابْن ثَابت. وَكَانَ حكم تَحْرِيم الْمُتْعَة والحمر الْأَهْلِيَّة عِنْد عليٍّ وَغَيره وَلم يُعلمهُ ابْن عَبَّاس. وَكَانَ حكم الصّرْف عِنْد عمر وَأبي سعيد وَغَيرهمَا، وَغَابَ ذَلِك عَن طَلْحَة وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر. وَكَذَلِكَ حكم إجلاء أهل الذِّمَّة من بِلَاد الْعَرَب، كَانَ عِنْد ابْن عَبَّاس وَعمر، فنسيه عمر سِنِين، فتركهم حَتَّى ذكر بذلك فَذكره، فأجلاهم.

وَمثل هَذَا كثير.

فَمضى الصَّحَابَة على هَذَا، ثمَّ خلف بعدهمْ التابعون الآخذون عَنْهُم، وكل طبقَة من التَّابِعين فِي الْبِلَاد الَّتِي ذكرنَا فَإِنَّمَا تفقهوا مَعَ من كَانَ عِنْدهم من الصَّحَابَة، فَكَانُوا لَا يتعدون فتاويهم، لَا تقليداً لَهُم، وَلَكِن لأَنهم أخذُوا وَرووا عَنْهُم الْيَسِير مِمَّا بَلغهُمْ عَن غير من كَانَ فِي بِلَادهمْ من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، كاتباع أهل الْمَدِينَة - فِي الْأَكْثَر - فَتَاوَى ابْن عمر، وَاتِّبَاع أهل مَكَّة - فِي الْأَكْثَر - فَتَاوَى ابْن عَبَّاس، وَاتِّبَاع أهل الْكُوفَة - فِي الْأَكْثَر - فَتَاوَى ابْن مَسْعُود.

ثمَّ أَتَى من بعد التَّابِعين فُقَهَاء الْأَمْصَار، كَأبي حنيفَة وسُفْيَان وَابْن أبي ليلى بِالْكُوفَةِ، وَابْن جريج بِمَكَّة، وَمَالك وَابْن الْمَاجشون بِالْمَدِينَةِ، وَعُثْمَان البتي وسوار بِالْبَصْرَةِ وَالْأَوْزَاعِيّ بِالشَّام، وَاللَّيْث بِمصْر، فجروا على تِلْكَ الطَّرِيقَة من أَخذ كل واحدٍ مِنْهُم عَن التَّابِعين من أهل بَلَده وتابعيهم عَن الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم.

وَرُبمَا كَانَ عِنْدهم وَفِي اجتهادهم فِيمَا لَيْسَ عِنْدهم وَهُوَ مَوْجُود عِنْد غَيرهم، وَلَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا، وكل من ذكرنَا مأجورٌ على مَا أصَاب فِيهِ أَجْرَيْنِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>