وهي بريةٌ بحريةٌ جزريةٌ، على تل مشرف على الفرات، لها ربضٌ. كانت عامرة بالأسواق، كثيرة الأرزاق.
طولها ثلاث وسبعون وثلاثون درجة فقط.
وكانت تُعرف قديما بقلعة دوسر ويقال: إنه غلامٌ للنعمان بن المنذر اللخمي - ملك العرب وصاحب الجزيرة - تركه على أفواه الشام، والنعمان مقيم بالحيرة فبنى هذه القلعة، فنُسبت إليه.
وما زالت هذه القلعة في أيدي ملوك الجزيرة، تنتقل بانتقالها، إلى أن صارت لبني نُمير فاشتراها الدزبري لما ملك حلب من بعضهم -، يقال: إنه منيع بن شبيب بن وثاب - ثم تغلبوا عليها بعد موته، فعمل عليهم جعبر بن سابق القشيري وكان له عدة أولاد فسرقها من بني عطير فلما استولى عليها جدد بناءها وحصنها فنسبت " إليه " ولم تزل في يده إلى أن توفي في المحرم سنة أربع وستين وأربعمائة.
واستولى عليها ولده سابق، وكان أعمى. وكانت رجاله يقطعون الطريق وينتهكون محارم الله. ولم يزالوا على ذلك إلى أن توجه السلطان الملك العادل ملكشاه ابن ألب أرسلان محمد بن جعفر بك بن ميكائيل بن سلجوق قاصدا حلب لما قتل شرف الدولة مسلم بن قريش ملكها، وبقيت بلا ملك، فعبر على قلعة جعبر فحاصرها يوما وليلة حتى فتحها وقتل سابقا وأهله وصلبه. فلما ملك حلب عصي بقلعتها شمس الدولة سالم بن مالك بن بدران العقيلي. ثم نزل عنها فعوضه عنها بقلعة حعبر ووقفها عليه وعلى أولاده بكتاب شرعي وأقطعه معها الرقة وضياعا، فأقام بها إلى أن توفي يوم الأربعاء العشرين من شوال سنة تسع عشرة وخمس مائة. فملكها بعده ولده شهاب الدين نجم الدولة مالك.
" وكان بينه وبين ابن منقذ مودة أكيدة فأجتاز على صاحب شيزر جماعة كثيرة من حجاج الفرنج يريدون أفامية فضلوا عن الطريق، فدخلوا شيزر " وهي " إذ ذاك بغير سور، فوثب عليهم أهلها، فقتلوا الرجال، وسبوا النساء والصبيان. وحمل ذلك إلى ابن منقذ فرأى منهن جارية حسنة فكساها وأصلح شأنها وأنقذها إلى شهاب الدين المذكور، فأعجبته وحظيت عنده. واستولدها ولدا سماه بدران وجعله ولي عهده. فلما توفي ملك بعده بدران. فتدلت أمة من القلعة ومضت إلى سروج، وفيها الفرنج فتزوجت برجل إسكاف ".
ودام بدران المذكور بقلعة جعبر إلى أن عمل عليه أخوه سيف الدولة علي بن مالك وقتله في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. وملك القلعة ولم يزل بها إلى أن نزل عليها عماد الدين زنكي بن آق سنقر صاحب الموصل وحلب يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة سنة " إحدى " وأربعين فحاصرها وضايقها.
وسير إلى عز الدين ابن حسان - صاحب منبج - لتقرير الصلح. وتسلميها، والعوض عنها. فقال: أنظرني إلى غد فقال له ابن حسان: وأي شيء يأتيك في غد؟ فقال له: الذي جاء لبلك بن أرتق، وهو محاصر لك في منبج.
فلما كانت ليلة الأحد سادس شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وثب على عماد الدين زنكي خادم له، فقتله.
وافترق العسكر، ونهب بعضهم بعضا، ورحلوا عن قلعة جعبر وأخذ كل من ولديه جهة.
ولم يزل عز الدين بها إلى أن قتل يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر سنة ست وأربعين. وكان السبب في قتله أن العرب أغارت على نواحي الرقة، فاتصل به الخبر، فخرج إليهم، وكان مع العسكر، عسكر أميرك الجاندار، فأصابه منهم سهم فمات.
وملك بعده ولده شهاب الدين مالك، ولم يزل بها إلى أن خرج إلى الصيد في سنة أربع وستين فوقع عليه عرب من بني هذيل من كلب، فأثخنوه جراحا، مسكوه وحملوه إلى نور الدين فضيق عليه وعذبه، وبعث سابق الدين عثمان ومجد الدين - ابني الداية - صاحب بالس إذ ذاك، وفخر الدين مسعود بن الزعفراني إلى قلعة جعبر، فنازلوها في شعبان من السنة. فلما عجزوا عن حصارها، زاد في التضييق على شهاب الدين فسلمها إليه. وكان آخر من ملكها من بني عقيل، وكانت مدة ملكهم ثمانية وثمانين سنة.
ولما ملكها نور الدين أقطعها مجد الدين بن الداية، فاستناب فيها شمس الدين، وعوض شهاب الدين عنها سروج وبلدها، وباب بزاعا وعشرين ألف دينار نقدا. ووقف عليه أورم الكبرى والملوحة والحمامين اللتين بالحاضر، ودار ابن الأيسر - بباطن حلب المعروفة الآن بدور بني قليج.
وأعطى نائبه بها، وهو القائد محمد بن عروة خمسمائة دينار، وخلعة وهو بها بسخت وسرفسار، وأقطعه الرصافة وكتبها له ملكا. وأعطى الأجناد خمس مائة دينار.