" ذِكرُها بين العالم مُتعالمٌ، وطالما صادم جَانبهَا من تقادم، فرجع عنها مجدوعا أنفه وإن كان فحلا. وفرَّ عنها فريد الهمّة وإن استصحب حفلاً. ورأى حَجَرها فقدَّر أنه لا يُفكُّ له حجرٌ، وسوادهّا فحسِبَ أنه لا ينسخه فجرٌ، وحِميّةٌ أنفِ أنفَتَها فاعتقد أنه لا يستجيب لِزجرٍ، من ملوك كلهم قد طوى صدره على الغليل إلى موردها. وكلهم وقف بها وقفة المُحبِّ المسائل، فلم يفُزْ بما أمّل مِنْ سؤال مَعهدِها ".
حصن كَيفَا
كهفٌ على جبلٍ عالٍ، زايد الارتفاع، مستوٍ كالحائط تحفُّ به جبالٌ شاهقةٌ من ثلاث جهات، خلا الجهة الشمالية فإنها يحفُّ بها الشطُّ.
وبالقلعة قصورٌ ودورٌ للسلطنة وغيرها، وأبرجةٌ مبنيةٌ بالحجر على نفس الجبل.
وبالقلعة ميدان أخضر، وجامعٌ، وبها مزارع يزرع بها من القمح والشعير والحبوب ما يَميُر أهلها من السنة إلى السنة.
وبالجبال المحيطة بها أعينٌ خرَّارة. وبالجبل الذي من شرقيها عينُ ماء تأتي من ناحية طور عبدين تدخل إلى الحصن ومنها حضرة الميدان.
وبالحصن سرابات تحت الأرض إلى الشط، على هيئة الحلزون، ينزل منها أهل الحصن إلى الشط يستقون الماء ويعودون ولا يراهم أحدٌ. والسرابات واسعة بحيث أنه تنزل فيها البغال لنقل الماء.
وللقلعة من جهة الشرق طريق، تُعرف بالشِّعبِ، عسرُ المسلك يُدخلُ منه إلى القلعة، ويُنزلُ منه إلى الخندق.
وبالخندق دورٌ ومساكنُ وحوانيتُ معطّلةٌ ليس بها ساكنٌ. ولها ربضٌ من جهة الشمال، به الأسواق والحوانيت والمدارس والحمامات.
وبها مدافن، وتُرب الملوك من بني أُرتق وبني مروان.
وبالربض من جانب الشط دارٌ تُعرفُ بدار السلطنة مليحة جدا.
ولها جسر على قناطر معقودة، يُعبرُ عليه إلى الربض، وهو معقود بالحجر خلا وسطه فإنه مسقف بالخشب. فإذا طرق البلد عدو انتقل من الربض إلى الخندق، وقطعوا الجسر.
ويكون بيعهم وشراؤهم ومسكنهم في الخندق من غير وصول أحد إليهم.
وللقلعة سبعة أبواب، يُصعدُ إليها منها، وهي باب دون باب، متصلة إلى أعلاها.
ولها ربض آخر يُعرف بالقرية، بطرفه ميدان وجوسق.
وقُبالة البلد من الشمال جبل عال، زايد في العلو، به مغاور لا يصل أحد إليها، يُحتمى بها إذا طُرق البلد، فلا يُوصلُ إليهم.
وقُبالة البلد على الشط قرية تُسمى الزهيرية بها جامع ومئذنة.
وللبلد كروم كثيرة، وبساتين عديدة.
وجميع جهات هذا الحصن التي يُقصد منها وعرة وضيقة، عسرة المسالك لا تُسلك إلا الواحد " بعد الواحد ". فهو بهذه الحال في غاية الحصانة والمنعة.
وبه من المدارس ثلاث.
وبه من الحمامات أربعة منها بالربض الكبير: ١ - حمام الفَصيل.
٢ - وحمام السلطان.
٣ - وحمام الأسد محمود الجلحي.
٤ - وحمام أخرى بالربض الآخر.
وهذا الحصن المذكور، لم يزل مضافا إلى من يلي ديار بكر أو بعضها، وأكثر ما كان مضافا إلى آمد.
ولقد بالغتُ في التقصي عمّن اختطه ومن عَمَره ونُسب إليه وملكه فلم أعثر على شيء من ذلك، مع استيعابي مطالعة كتب التواريخ، والمسالك والممالك، وما يتعلق بهذا الفن إلى سنة خمس وسبعين وأربع مائة كان يف يد شخص يُعرف بموسى التركماني، كان نائبا به من قبلِ كربوقا - صاحب الموصل -. فلما مات كربوقا كاتب جماعة من أعيان الموصل في تمليكه الحصن فأجابوه إلى ذلك، فملكه واستقل به.
واتفق أن وقع بينه وبين جكرمش - صاحب الجزيرة - فلم يكن له به طاقة، فكاتب سكمان بن أُرتق، وكان بديار بكر وبذل له الحصن المذكور على أن يعوضه بما يرجع إليه. فسيّر له عشرة آلاف دينار فسلم إليه الحصن.
فلم يزل بيد سقمان إلى أن توفي في أواخر سنة ثمان وتسعين وأربع مائة.
وملك ولده داود الحصن المذكور ولم يزل بيده إلى أن " مات " ...
وملك ولده قرا أرسلان ثم مات في....
وترك ولده نور الدين محمد، وهو الذي ملّكهُ السلطان الملك الناصر صلاح الدين آمد ولم يزل بيده إلى أن توفي في سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.
وولي ولده قطب الدين سكمان " ولم يزل بيده إلى أن توفي " في سنة سبع وتسعين وخمس مائة.
وملكه الملك الصالح ناصر الدين محمود إلى أن توفي في سنة تسع عشرة وست مائة.