وكان ناصر الدولة بدركاه السلطان ملكشاه بإصبهان والناس يسألون السلطان له. فقال له السلطان: سلم البلاد، ونحن نعطيك ميافارقين خاصة، لأنها بيتك، ونعطيك آمد عوضا عن الجزيرة فقال: علي مشورة. ففي تلك الليلة وصل كتاب من أبي سالم الطبيب أن البلاد على الزين ونحن، فلو حوصرنا عشر سنين لم نبال، فلا تضيق صدرك فالبلاد منيعة، وقد بلغني أنهم طلبوا منك كذا وكذا، فإياك أن تُخدع أو تُغلب على رأيك، فأصبح ناصر الدولة، ونفذ إلى السلطان وقال له: أنا لا أسلم بلادي، ولا أخرج عن بيتي.
ولعمري من يكون أبو سالم الطبيب وزيره، ومدبره، ومشيره، تكون عاقبة بيته الخراب، وملكه إلى الذهاب!!.
وفتح زعيم الدولة آمد في سنة ثمان وسبعين وأربع مائة ودخلها، وفتحت ديار بكر بأسرها ولم يبق غير مفارقين فسير السلطان خادما يسمى الكوهياري ومعه عسكر نجدة فقاتل الناس قتالا شديدا، وضيقهم اشد مضايقة إلى أن سلمت إليه فدخلاه يوم السبت سادس عشر جمادى الأولى من سنة تسع وسبعين وأربعمائة. واستولى على ذخائر بيت مروان وقبض على أبي سالم الطبيب. ورمَّ ما كان استهدم من أسوار البلد، وعادت العساكر إلى السلطان، وبقي الأمير جبق بديار بكر ومعه ثلاثمائة فارس إلى أن مات وملكها أولاده، فأخذها منهم الأمير بلك بن بهرام بن أرتق، وانتقلت إلى الأمير داود وأولاه.
وبلغ ناصر الدولة فتح البلاد، وكانت السعادة قد انتهت، فكان يجري منه من سوء التدبير والمخالفات واللجاج مالا تفعله الصبيان. هكذا تكون أواخر البيوت وانقراض الدول. نعوذ بالله من زوال النعم، وتولي السعادة.
فنفذ إليه السلطان يقول له: انظر ما تريد نعطيك عوض البلاد، فقال: حربة تقع في صدري تخرج من ظهري.
فقيل للسلطان: قد طلب حربي فأقطعها - وهي قرية فوق بغداد، ارتفاعها ثلاثون ألف دينار أميرية - فمضى إليها وأقام بها إلى أن مات السلطان ملكشاه.
ثم إن الوزير فخر الدولة أقام بميافارقين وولده زعيم الدولة بآمد وأطلق الوزير ابن الأنباري من السجن ونفذه إلى حصن كيفا إلى خادم يسمى ياقوت كان والي الحصن، وأمره بقتله، فأخفاه، وأشاع موته، وأخرجت جنازته، وصلى عليها، وكتب بموته مكتوبا وأسجل. وبقي مشحونا بالحصن إلى أن خرج الوزير فخر الدولة من البلاد - وسيأتي ذكر ذلك في موضعه -.
وأحسن فخر الدولة إلى أهل ميافارقين خاصة وإلى أهل ديار بكر جميعها، وأسقط عنهم أشياء كثيرة، فطابت معايشهم، وفتح ذخائر بني مروان ونقلها إلى حصن كيفا إلى ولده عميد الدولة. فآخر ما حمل " إلى " الحصن: مائدة بلور دورها خمسة أشبار، وقوائمها منها.
وخمس قطع زبادي بلور.
وصحنين.
وثلاث حمليات.
وخمسة أقداح برسم الشراب
[الجميع بلور]
ثم اخرج حُقّا من ذهب، وأخرج منه قطنا كان فيه، وأخرج منه سبحة لها شعاع كشعاع الشمس، أضاء منها الموضع كانت لنصر الدولة، وكانت مائة وأربعين حبة لؤلؤ - الحبة منها مثقال فصاعدا - وفي وسطها الجبل - الياقوت الأحمر - الذي حمله الملك العزيز ابن بويه. وفيها عشر قصبات زمرد، القصبة كالإصبع، فقال الوزير: هذه كانت سبب خراب بيت مروان.
فقيل له: كيف ذلك؟ فقال: لما مات نصر الدولة بلغ السلطان أنه خلف أموالا وآلات عظيمة لا توصف، وخلف سبحة، من حالها كذا وكذا، وخلف سيفا أخذه من موسك يقدّ به البعير.
فنفذ السلطان، وخلف سُبحة، من ألب أرسلان وطلب السبحة والسيف من نظام الدين، ولده فنفذ غيره، وسُبحة غيرها لها قيمة، وحلف أن السبحة لم تظهر.
فلما ولي الأمير منصور نفذ السلطان ملكشاه إليه وطلب السبحة والسيف، فحلف أنه ما رآهما، ولم تسمح نفسه بهما، ولم يُنفذ له هدية تساوي دينارا واحدا.
واتفق وصول الرسول، وأنا حاضر عند خواجا، فوجدت الفرصة، واستمعَ مني الكلام، فجهزتُ العساكر وأتيتُ، فقيل له: فكم قيمتها؟ فقال: كان قد حصل بعضها قديما، وحصَّلت أنا في أيام وزارتي خمسا وأربعين حبة وبعض الجواهر، بمقدار خمسة وستين ألف دينار، وحسبت جملة مشتراها، فكان - غير الجبل الياقوت - مائتين وخمسة عشر ألف دينار. وأعطى الملك العزيز عن الجبل الياقوت عشرة آلاف دينار. فحملت إلى بغداد إلى عميد الدولة.