وتفرَّق عسكره في الأقطار، وطاروا كلَّ مطار، وأحاطت التتر بخركاه السلطان، فحمل عليهم أورخانُ وكشفهم عنها، ودخل بعض خواصه، فأخرجه وعليه طاقيةٌ بيضاء، وأركبه الفرس وسار نحو آمد، فلم يُمكّن من الدخول إليها، فسار إلى أن ألجأه النصب والليل إلى قرية من قرى ميافارقين، فنزل ببيدرها، وأقام به يستره الليل، فأدركته التتر عند الفجر، فركب بين أيديهم، وتوقّل الجبل. وكان به أكرادٌ يحفظونه ويحفظون الطرق لِسحت يجمعونه، فأخذوه وسلبوه وهمّوا بقتله، فقال لكبيرهم سرا: أنا السلطان، فلا تعجل في أمري، في إيصالي إلى شهاب الدين غازي فيغنيك، أو إيصالي إلى بلدي فتصير ملكا.
فرغب في إيصاله إلى بلاده، وسار به حلّته، فتركه عند امرأته، ومضى إلى الجبل لإحضار خيله. ففي غيبته جاء رجلٌ من سِفلة الأكراد، ومعه حربةٌ. فقال للمرأة: ما هذا الخوارزمي؟ وهلا قتلتموه؟!! " فقالت: إنَّ زوجي أُمنّه وعرف أنه السلطان.
فقال: كيف تبقونه وقد قتل لي خلاط أخا خيرا منه؟!! ثم ضربه بالحربة " ضربة " فارقت بها روحه جسمه ومحت من لوح الوجود اسمه " وذلك في حادي عشر شوال.
ولما كُبس بظاهر آمد تفرَّق عسكره، فأخذت طائفةٌ منهم نحو حرّان، وأخرى نحو سنجار ونصيبين وأخرى إلى ميافارقين فأقبل عليهم شهاب الدين غازي، وكان فيهم أطلس خان، فبقي عنده إلى أن بعثه إلى الملك الكامل وأخبره بقتل جلال " الدين " وواقعته مع التتر " وأن التتر " بعد قتل جلال الدين قصدته منهم طائفةٌ، فخرج إليهم وكسرهم وغنم أسلحتهم.... شيئا سيره إلى أخيه الملك الكامل وشكى إليه مجاورة التتر وطلب إذنه في نقل حريمه إلى مصر فلم يُجبهُ إلى ذلك. وقال: إذا أُخذت ميافارقين أخذت مصر. وكيف يليق ببني أيوب أن يفسحوا لك في ذلك، ووراءهم خمسون ألف فارس؟!! فثبت جنانه.
[ذكر حصار عسكر حلب ميافارقين]
لما قصدوا الخوارزمية حلب بعد كسر عسكرها في سنة ثمان وثلاثين وست مائة. وكان عسكر حلب يومئذ مُفرَّقا في البلاد. بعضه بحمص لما أغاروا الفرنج على بلدها، وبعضه في الروم صحبة الأمير حسام الدين ألطاش بن تركمان، وبعضه بقلعة جعبر مع الأمير ناصح الدين أبي المعالي الفارسي، وبعضه بعزازٍ بسب التركماني الآغا خريه ولم يكن بحلب يومئذ إلا دون الألفي فارس، وهي التي خرج بها الملك المعظم فخر الدين توران شاه ابن الملك الناصر صلاح الدين، فالتقى بهم، واتفق ما قدَّره الله من كسرهم. فاهتمت الملكة خاتون بجمع العساكر، فدخلت الخزائن وأخرجت الأموال، واستخدمت الأجناد، وطلبت النجدة من الملوك.
فكان ممن طُلب منه نجدة الملك المظفر شهاب الدين غازي فحصل منه تسويف ومماطلة إلى أن قدرها الله تعالى اجتماع العساكر وكسر الخوارزمية وملك الجزيرة فوصل من شهاب الدين غازي كمال الدين، أبو سالم بن طلحة مُهنئاً للسلطان الملك الناصر بلمْك الجزيرة، ومُعتذرا عن قعوده، وتأخر نجدته. ويطلبُ بعد ذلك الصلح والموادعة، وألاَّ يُمكِّن غياث الدين، صاحب الرُّوم من قصد بلاده، فلم يُجبه السلطان الملك الناصر إلى ذلك. فلما عاد رسوله بما لا تهوى نفسه خرج من ميافارقين واتفق مع الخوارزمية على قصد آمد. فلما بلغ السلطان الملك الناصر ذلك أخرج الملك المعظم فخر الدين توران شاه بعسكر فسار إلى آمد فرّحل عنها الملك المظفر والخوارزمية فعاد إلى ميافارقين، سار الملك المعظم خلفه، وشنَّ الغارة على بلدها، فاعتصمت الخوارزمية بالمدينة فنُوزلوا فيها وقوتولا أشد قتالٍ.
ووصل عسكرٌ من غياث الدين نجدةً لعسكر حلب فضايقوا ميافارقين. فراسل الملك المعظم في أنه قد نشب مع الخوارزمية، وعجز عن دفعهم، وأنكم ترضونهم بمهما يقع الاتفاق عليه. فترددت الرسل في ذلك إلى أن اتفق الأمر على أن السلطان غياث الدين يُقطعُ الخوارزمية ن بلاده ما كان لهم أولا. وأن يُعطي ولده إقطاعا من الملكة خاتون - عمته - فعادوا عنه.
ثم إنه بعد مدة سيّر رسوله، ومعه رسولٌ من الخوارزمية يلتمسون من صاحب حلب إقطاعا، زيادةً على ما وقع عليه الشّرطُ، فلم يُجابوا إلى ذلك.