ووجدتُ في بعض الكتب أنّ جميع عدد السنين مذ خلق الله عزّ وجلّ آدم عم إلى أول سنة من عدد اليونانيّين وتُعرف بسني الإسكندر خمسة آلاف ومائتان وإحدى وعشرون سنةً وهذا يدلّ على أنّ سلوقوس بني حلب مرّةً ثانيةً ولعلّها كانت خربت بعد بناء بلوكوس فجدّد بناءها سولوقوس فإنّ بين المدّتَين ما يزيد على ألف ومائتي سنة.
وسوريا يُطلق على الشام الأولى وهي حلب وأعمالها. وبناحية الأحصّ من بلد حلب مدينة خربة تُسمى سوريا وإليها يُنسَب اللسان والسوريانيّ والقلي السوريانيّ والقلي السوريانيّ وسنبيّن ذلك فيما يأتي إن شاء الله تع.
قال ابن العديم: ونقلتُ من خطّ إدريس بن حس الإدريسيّ ما ذكره أنّه نقله من تأريخ إنطاكية. قال صاحب تأريخ أنطاكية وهو أحد المسيحيّة السريانيّة: الّذي ملك بعد الإسكندر بطلميوس الأرنب وهو الّذي بنى أفامية وحلب واللاذقيّة والرُها. وبطلميوس الأرنب هو سلوقوس. لكن اليونانيّون كانوا يسمّون كلّ من ملك تلك الناحية بطليموس كما تسمّي الفرس كلّ من ملك عليهم كسرى وكما تسمّي الروم كلّ من ملكهم قيصر.
وقد قيل: إنّ حلب بناها حلب بن المهر بن حيص بن عمليق من بني جان بن مكنّف فسُمّيت باسمه.
فصل. وكانت حلب تُعرف بمدينة الأحبار عند الصابئة. وُجد في كتاب بابا الصابئي الحرّانيّ في المقالة الرابعة في ذكر خروج الحبشة وفسادهم في البلاد: وينزل على الفرات وتأمن مدينة الأحبار المسمّاة مابوغ هي حلب.
وقال في المقالة السادسة: وأنتِ ياموغ وهي حلب مدينة الأحبار يأتي رجل سلطان ويحلّ بك ويُعلي أسوارك ويجدّد أسواقك ويحوّز العين الّتي فيك وبعد قليل يُؤخّذ منك. ولَما شرع السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف في بناية الأسوار والأبرجة بمدينة حلب وعمّر اليوقَيْن اللذَيْن أنشأهما شرقيّ الجامع بحلب أحدهما نقل إليه الحريرّيين والآخر نقل إليه النّحاسين قال لي بهاء الدين أبو محمّد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشّاب الحلبيّ وهو من رؤساء حلب وكبرائها وأعيانها: إنّني خائف أن يكون هذا الملك الّذي يحلّ بها ويجدّد أسوارها ويعمّر أسواقها ويُخذ منها. فوقع الأمر كما ذكر في سنة ثمان وخمسين وستمائة.
الباب الثالث في
ذكر تسميتها واشتقاقها
قرأتُ في كتاب أسماء البلدان وإلى من تُنْسَب كلّ بلدة عن هشام بن محمّد بن السائب الكلبيّ أنّ حمص وحلب وبردعة تُنسَب لقوم من بني المهر بن حيص بن جان بن مكنف بن عمليق. وقيل إنّما سُمّيت حلباً لأن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم كان يرعى غنماً له حول تلّ كان بها وهو الآن القلعة فكان له وقت يحلب فيه الغنم ويأتوا الناس إليه في ذلك الوقت فيقولون حَلَبَ إبراهيم حَلَبَ إبراهيم فسُمّيت حلباً.
ونقلت من تأريخ كمال الدين ما ذكره أنه قرأه بخطّ الشريف إدريس ابن حسن بن عليّ بن عيسى الإدريسي وكان له معرفة بالتأريخ قال: أما اسم حلب فسمعت فيه كلاما من أفواه الرجال وأريته الشريف أبو طالب النقيب أمين الدين أحمد بن محمد الحسيني الإسحاقي بخط القاضي السيد الجليل أبي الحسن علي بن أبي جرادة وكان متفنناً في تعليق له قال: إن اسم حلب عربي لا شك فيه وهو لقب لتل القلعة. قال: كان إبراهيم عم إذا اشتمل من الأرض المقدسة ينتهي إلى هذا التل فيضع فيه أثقاله ويبثّ رعاءه إلى نهر معهم من الأغنام والمعز والبقر. وكان الضعفاء إذا سمعوا بمقدمة أتوه من كلّ وجه من بلاد الشمال فيجتمعون مع من اتّبعه من الأرض المقدّسة لينالوا من بِرّهِ. فكان يأمر الرعاء بحلب ما معهم طرفي النهار ويأمر ولده وعبيده باتّخاذ الطعام فإذا فُرغ له منه أمر بحمله إلى الطرق المختلفة بإزاء التلّ فيتنادى الضعفاء إبراهيم حَلَبَ فيتنادرون إليه. فغلبت هذه اللفظة لطول الزمان على التلّ كما غلب غيرها من الأسماء على ما هو مسمّى به فصار علَماً له بالغلبة.
فصل. وتُلقَّب بالشهباء والبيضاء وذلك لبياض أرضها لأنّ غالب أرضها من الحجارة الحوّارة وترابها يضرب إلى البياض وإذا أضرف عليها الإنسان ظهرت له بيضاء.