" وفي سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة في التاسع والعشرين وقيل: سلخ شوال منها، وهو اليوم السادس من تشرين الثاني مات الأمير نصر الدولة - رحمه الله - ودُفن بجامع المُحدثة، وقيل: في القصر بالسدلي إلى أن بنت ابنته ست الملك القبة إلى جانب الجامع بالميدان في سنة ست وخمسين وأربع مائة ونقلته إليها. والوزير يومئذ الكافي أبو نصر محمد " بن محمد " ابن جهير. فرتب الدولة، وساس الأمر أحسن سياسة ". وأنفذ صاحب العسكر أحضر نظام الدين بن نصر الدولة وكان أصغر من الأمير سعيد، وهو ولي العهد لعقله وسداده. وأصعده القصر. ولقيه الوزير فقبل الأرض بين يديه، وسلم عليه بالإمارة، وعزاه عن أبيه، وأجلسه على التخت. فلما اجتمعت الناس نزل عن التخت وجلس على الأرض، وحضر المُقرئون والشعراء - على العادة - ودفن الأمير ولم يختلف على نظام الدين أحد من اخوته وبني عمته، واستقر في ملكه في غرة ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة. وبقي مدة. " ثم اختلف هو وأخوه الأمير سعيد، فسار الأمير سعيد إلى السلطان طغرلبك وقصده، فسير معه خمسة آلاف فارس مع أمير مقدم، فوصل إلى البلاد في سنة ست وخمسين ونزل على باب البلد وأخذ الغارة، فخرج الوزير وتحدث معه وقال: لا يكون قلع بيتكم على يديك وخوفه وقرر معه أن يحمل له مبلغا من المال، ويسلم إليه آمد. فاصطلحا على ذلك، وحمل له نظام الدين خمسين ألف دينار، وعادوا عنه ".
" ودخل نظام الدين وأخوه الأمير سعيد القصر وبات هو وإياه في الحجرة الخاص. فلما كان آخر الليل أتى الأمير سعيدا خادم يسمى فروخا فأيقظه وقال له: أخوك نائم إلى جانبك، وما في الحجرة غيركما، وسيفك أنت أخبر الناس له به، فقم وأضرب عنقه وانفرد بالبلاد!!. فقال له: ويلك!! يكون هو ابن عجب - مملوكه - ويفي، وأكون ابن الفضلونية وأغدر به، لا كان ذلك أبدا!! ثم نام ساعة واستيقظ، فأيقظ أخاه نظام الدين وتحادثا إلى الصباح، ثم قاما فسار الأمير سعيد إلى آمد فتسلمها ".
[ذكر وفاة الأمير سعيد بن نصر الدولة]
وأقام بها مدة.
ثم إن نظام الدين " اشترى جارية مليحة، وبقيت عنده مدة. ثم قال لها: هل لك في أن أتزوجك وتكونين صاحبة البلاد؟ فقالت: من لي بذلك؟ فقال: أريد أنفذك إلى أخي إلى آمد هدية، فإذا خلوت معه تعطيه هذا المنديل عند فراغه مما يكون بينكما. فوافقته على ذلك، وطمعت في قوله ". " فنفذها إلى أخيه، وقال له: إني اشتريت هذه الجارية، فلما رأيت ما هي من الجمال واللباقة أحببت أن تكون لك.
فلما وصلت إلى الأمير سعيد شُغف بها، ولم يملك عنها صبرا، فبقيت كذلك مدة، ثم اجتمعا ليلة، فلما انفصل ناولته المنديل، فمسح به حُجره، فنزل من وقته، وبقي ثلاثة أيام ومات. فقصد نظام الدين آمد، نفذ إلى الست عزيزة وقال لها: الأولاد أولادي، وأنا لكِ، فسلمت إليه آمد فملكها " وتزوج بالست عزيزة وعاد إلى ميافارقين، ورُزق منها ولدا سماه أحمد، عاش أربع سنين ومات.
" وفي سنة خمس وخمسين وأربعمائة أنفذ الخليفة القائم بأمر الله إلى الوزير أبي نصر بن جهير استدعاه إلى بغداد ليزر له، فنفذه نظام الدين ونفذ معه من الهدايا والتحف والدواب وآلات التحمُّل شيئا عظيما ".
" وكانوا بنو مروان يفتخرون يقولون: وزر لنا المغربي، وزير خليفة مصر ووزر وزيرنا لخليفة بغداد "، عن ابن جهير، ولُقَّب مؤيد الدين فخر الدولة، وارتفعت منزلته.
" وفيها وصل الوزير أبو الفضل إبراهيم بن عبد الكريم بن الأنبا ري إلى ميافارقين، وكان ناظرا لأبي المنيع قرواش وانفصل عنه وقصد نظام الدين فوزر له بعد ابن جهير " فبقي ثلاث سنين ومات، " ودُفن في أزجّ، غربي مشهد أمير المؤمنين علي - عليه السلام - في لحف جبل ميافارقين. واستوزر ولده عين الكفاة أبا طاهر سلامة بن إبراهيم، واستقر في الوزارة. وكان اسمه في الكفاية والتدبير ".