وأوكد الأسباب أنه كان كثير الولع بالنساء، منهمكا في ذلك، وكان والد مُزوَّجا بابنة السلطان الملك العادل. فلما مات والده أساء إليها إساءة كثيرة، وبدا منه في حقها أمورٌ لا يليق ذكرها. فخرجت من عنده وقصدت أخاها الملك المظفر شهاب الدين غازي بميافارقين، وكان شقيقها وشكت إليه، فكتب إلى أخويه الملك الكامل والملك الأشرف وعرَّفهما بذلك. فكتب الملك الكامل إلى الإمام المستنصر بالله يشكوه إليه، ويذكر معايبه، وتعرضه لحرم رعيته، ويستأذنه في قصده فأذِن له.
[ذكر ملك الملك الكامل ناصر الدين آمد]
لما أذن له الإمام المستنصر " بالله " بقصده، سار إليها، ومعه أخوه الملك الأشرف مظفر الدين موسى ابن الملك العادل ونزلا عليها في العشرين من ذي الحجة من سنة تسع وعشرين وستمائة.
وكان معهما مُنجمٌ يُدعى شمس الدين يوسف فأمرهما ألاّ يزحفا عليها إلاَّ في وقتٍ عيّنه لهما، وهو اليوم الخامس والعشرون من الشهر، فلما كان اليوم المعيّن رتب العسكر للزحف، وقرر مع " أصحاب " الطبل خاناه أن تحرُّكَ حتى يرسم لهم. وبقي العسكر واقفا في ذلك الوقت، ومعه جِمالٌ تحمل تبنا، وعلى أحدها طبلٌ، فلما قَرُبَ من العسكر ضربَ طبله على عادته فسمعته طبل خاناه الأمراء، فظنوا أن طبل خاناه السلطان قد ضربت، فضرب العسكر جميعه، فزحف الأطلاب زحفة رجل واحد، فلما رآهم صاحب آمد، هاله ذلك، فنادى بالأمان، فأمنّه الملك الكامل على أمواله وأهله، وعلى أن يُقطع إقطاعا بالديار المصرية، فتسلمها وما كان في يده من الحصون خلا حصن كيفا، فإن الذي كان به نائبا لم يسلمه. فسيّر الملك المسعود إليه فسار إلى الحصن وأظهر لمن فيه أنه يُعذَّبُ بسب امتناعهم من تسليمه، فسلموه إليه في المحرم من سنة ثلاثين وست مائة فرتب فيه وفي آمد نائبا عنه ابن أخيه شمس الملوك، سيف الإسلام، أحمد ابن الملك الأعزِّ شرف الدين يعقوب ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب فحكم بها اثني عشر يوما ثم توفي، فدُفن على باب آمد - رحمه الله -.
وحكى لي الأمير نجم الدين محمود بن الشقاري - أحد حُجاب السلطان الملك الكامل - أن شمس الدين يوسف - المنجم المقدم كره - حضر بين يدي السلطان الملك الكامل، وهو راكبٌ في ساعة الزحف، فقال له: إن زحفت عليها الساعة أخذتها، وما تُصليِّ العصر إلا بها. فزحف عليها، فأخذها في الحال، وصلى العصر بها، ولم يصب من العسكر غير رجل واحد يُعرف بعثمان الزَّرّاق أصيب في وجهه فمات.