ولم يزل محمد بن مسلم بن قريش واليا على الموصل وسنجار إلى أن قتله كربوقا في وقعة جرت بينهما، بعد أن أسره، وذلك في سنة تسع وثمانين وأربع مائة. واستولى على الموصل بعد حصار. ولم يزل حاكما على الموصل وسنجار إلى أن توفي في سنة خمس وتسعين وأربع مائة وذكر ابن الأثير في تاريخه " الكامل " في حوادث سنة اثنتين وخمسمائة أن تميرك كان متوليا على سنجار مستقلا بملكها، ولم نتحقق تمليكه لها، هل كان نيابة أو تغلبا. واستمر نميرك في ولاية سنجار إلى أن دخلت سنة خمس عشرة وخمسمائة فأقطع السلطان " محمود بن محمد مدينة الموصل وسنجار والخابور وغيرها من البلاد لآق سنقر البرسقي فلم يزل مالكا لسنجار إلى أن قتل بالموصل في الجامع يوم الجمعة ثامن ذي القعدة سنة عشرين وخمسمائة.
ووليّ ولده عز الدين مسعود، ولم يزل واليا على الموصل وسنجار إلى أن توفي بمدينة الرحبة سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
وبقي جاولي - مملوك البرسقي - على الموصل وسنجار أشهرا.
[ذكر ولاية عماد الدين زنكي الموصل]
أقطع السلطان محمود الموصل والجزيرة وما يليهما لعماد الدين زنكي بن قسيم الدولة آق سنقر الذي كان ملك سنة احدى وعشرين وخمس مائة فاستقل بملكها. ثم سار إلى نصيبين فملكها. وسار إلى سنجار، فامتنع من بها ثم صالحوه وسلموها إليه وملك الجزيرة بكمالها. ولم تزل في يده إلى أن قصد قلعة جعبر وحاصرها. وقتل بها سنة إحدى وأربعين وخمس مائة.
وملك ولده الكبير سيف الدين غازي الموصل وبلاد الجزيرة وسنجار يوم الاثنين سابع شهر ربيع الآخر منها. وملك سيف الدين غازي الموصل وسنجار بعد أبيه. ونقل خزائن الموصل إلى سنجار.
وكان الوالي بها رجل يقال له يلمان فعزله وولاها لعبد الملك المقدم الديلمي. ولم تزل سنجار في يده إلى أن توفي في جتدي الآخرة من سنة أربع وأربعين وخمس مائة.
فلما توفي سيف الدين غازي كان أخوه قطب الدين مودود مقيما بالموصل، وكان له ولد صغير فتوفي بعده فملك الموصل قطب الدين مودود بعد أخيه.
[ذكر استيلاء نور الدين على سنجار]
لما ملك قطب الدين مودود الموصل، [بعد أخيه سيف الدين غازي] كان أخوه الأكبر نور الدين محمود بالشام، وله حلب وحماة، فكاتبه جماعة من الأمراء، وطلبوه. ومن جملة من كاتبه المقدم عبد الملك، وكان حينئذ مستحفظا لسنجار فأرسل إليه يستدعيه، ليسلم إليه سنجار. فسار جريدةً في سبعين فأرسل من أمراء دولته. فوصل إلى ماكسين في نفر يسير قد سبق أصحابه. وكان يوما شديد المطر، فلم يعرفهم الذي كان يحفظ الباب، فأخبر الشحنة أن نفرا من التركمان المتجندة قد دخلوا البلد، فلم يستتم كلامه حتى دخل نور الدين الدار على الشحنة، فقام إليه، وقبل يده، ولحق به باقي أصحابه.
ثم سار إلى سنجار، فوصلها، وليس معه غير ركابي واحد وسلاح دار، ونزل بظاهر البلد، وأرسل إلى المقدم يعلمه بوصوله. وكان المقدم حينئذ قد توجه إلى الموصل، فسيَّر خلفه من أعلمه بوصول نور الدين. فعاد إلى سنجار وسلمها إليه، فدخلها نور الدين وتسلمها. وأرسل إلى فخر الدين قرا أرسلان - صاحب الحصن - يستدعيه لمودة كانت بينهما، فوصل إليه في عسكره.
ولما سمع أتابك قطب الدين مودود وجمال الدين محمد الإصبهاني، الوزير، وزين الدين علي كوجك بذلك جمعوا عساكرهم وساروا نو سنجار، فوصلوا إلى تل يعفر وترددت الرسل بينهم، بعد أن كانوا عازمين على قصد سنجار فقال لهم جمال الدين: ليس من الرأي قتاله، فإننا نحن قد عظّمنا محلّه عند السلطان. وجعلنا أنفسنا دونه، وهو أيضا يعظمنا عند الفرنج. فإذا لقيناه، فإن هزمناه طمع السلطان فينا، ويقول: هذا الذي " كانوا " يعظمونه ويحتمون به أضعف منهم " وقد هزموه "، وإن هزمنا طمع الفرنج فيه، وتطرفوا إلى البلاد.
وبالجملة فهذا هو ولد أتابك الكبير وأشار بالصلح، ويسلم سنجار إلى أخيه قطب الدين ويتسلم مدينة حمص والرحبة بأرض الشام. فعاد الشام له، والجزيرة لأخيه واتفقا.
وعاد نور الدين " إلى " حلب، وأخذ معه ما كان ادخره أبوه أتابك الشهيد فيها من الجواهر، وكانت شيئا كثيرا جدا.
ولم تزل سنجار في يد قطب الدين إلى أن توفي في سنة خمس وستين وخمس مائة. وكان قد جعل ولي عهده عماد الدين زنكي ولده، فعدل عنه إلى ولده الصغير سيف الدين غازي.