[ذكر ولاية سيف الدولة ديار بكر من قبل أخيه ناصر الدولة]
وفي سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة، سلم الأمير ناصر الدولة أبو محمد بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان ميافارقين. وديار بكر إلى أخيه سيف الدولة علي بن أبي الهيجاء نائبا عنه.
وفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة خرج الدمستق إلى ناحية آمد وسميساط. فسار إليه سيف الدولة وهزمه وعاد إلى ميافارقين وأرزن.
وكان بأرزن يومئذ " أبو " علي بن جعفر الديلمي. فعصي بها. فحاصره سيف الدولة إلى أن التمس منه الأمان ونزل على حكمه فأمنه.
وتوجه سيف الدولة إلى خدمة أخيه ناصر الدولة بالموصل، فوصلهما فيها التشاريف والتقاليد من الخليفة الراضي في سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، وأكرما غاية الإكرام.
ونظر سيف الدولة في مصالح ميافارقين، " وروم ما كان استهدم من سورها، وعمر بها مواضع كثيرة، ظاهرا وباطنا، واسمه عليها مكتوب بتوليّ القاضي عبد الله بن الخليل.
ولم يكن على الباب الوسطاني باب، بل كان له مشط من الحديد مشبكا، فعمد القاضي إلى ذلك المشط فكسره، وزاد عليه وعمله بابا، وركبه على الباب الوسطاني في سنة ثلاث وثلاثين ومائة. ووزن المصراعين ثلاثة آلاف وثلاثة مائة رطل بالظاهري.
وكان على باب الفصيل باب واهن ضعيف، فكسره القاضي أيضا وزاد عليه وعمله بابا وركبه عليه، وهو الذي عليه إلى الآن. ووزن المصراعين ألفان وأربع مائة وستون رطى بالظاهر ".
وفي سنة ثمان وثلاثين وثلاث مائة توفي عبد الله بن سيف الدولة بميافارقين ودفن بها، ورثاه المتنبي وعزاه.
واجتمع عند سيف الدولة من الفضلاء والعلماء والشعراء ما لم يجتمع مثله إلا في زمان المأمون. وكان سيف الدولة أكثرهم فضلا. واجتمع عنده ابن خالويه وخطيب الخطباء عبد الرحيم ابن نباتة والقاضي أبو بكر بن قريعة والمتبني وأبو فراس. كل منهم يقر لسيف الدولة أنه أكثر فضلا منه.
[ذكر محاولة استيلاء الروم على آمد بحيله]
كانت أمد يومئذ بيد ناصر الدولة وبها نوابه. وكان بالبلد رجل من النصارى فراسلوه الروم وراسلهم، وسعى لهم في أخذ البلد، وذلك أنه نقب نقبا عن أربعة أميال تحت الأرض إلى المدينة. ففطن لذلك أهل المدينة، فلحقوا النقب وأخذوه. وقتلوا ذلك الرجل.
واستمرت آمد في يد نواب ناصر الدولة.
[عدنا إلى أخبار ميافارقين وسيف الدولة]
وفي سنة إحدى وأربعين وثلاث مائة سار الدمستق إلى بلد آمد لقصدها وغيرها من البلاد، فسار إليه سيف الدولة فهزمه.
وفي سنة اثنتين وأربعين وثلاث مائة وقع الصلح بين سيف الدولة وملك الروم.
[ذكر حصار الروم آمد وميافارقين]
وفي سنة ثمان وأربعين وثلاث مائة وردت الروم مع ملكها ابن سمسقيق ونزل على باب ميارفاقين، وحوصرت مدة.
ثم انتقل عنها ونزل على آمد وحاصرها سبع سنين وضرب كمين سنادين الحديد في المناجيق، وغرس على آمد الكروم بباب الجبل، وأقام إلى أن حمل العنب وأكل منه.
ثم رحل عنها إلى نصيبين، وأقام بها مدة ثم رحل عنها. وأخرب في طريقه مدينة دارا والهتاخ وفندق الرأس وتل ميمون. ولم يفتح موضعا إلا خربه، وعاد إلى بلاده.
وهذا كلام أحمد بن الأزرق - صاحب تاريخ ميافارقين وآمد - وعمل الخطيب عبد الرحيم بن نباتة خطبة في الجهاد.
[ذكر قتل نجا غلام سيف الدولة وملك سيف الدولة خلاط]
وفي سنة أربع وخمسين وثلاث مائة قتل نجا - غلام سيف الدولة - وكان السبب في قتله أنه لما وقع أبو الورد - صاحب خلاط ومنازجرد - من السور ومات، سار نجا إلى تلك النواحي، وملكها بعساكر سيف الدولة. فلما أن ملكها عصى على سيف الدولة وسار إلى ميافارقين وحاصرها في سنة ثلاث وخمسين وثلاث مائة ليأخذها ويسلمها إلى معز الدولة، وكان قد أمده بالعساكر، فلما جد في القتال لميافارقين بلغه أن قرابة ابن أبي الورد وثب على منازجرد فأخذها، فانفصل عن ميافارقين وطلب خلاط وتلك الولاية، ونهب عساكر قرابة أبي الورد.
وفي سنة أربع وخمسين وثلاث مائة حضر نجا في مجلس سيف الدولة وعنده جماعة، وهم على الشراب، فحاجَّ سيف الدولة وخرج عليه بكلام قبيح. وكان لسيف الدولة غلام يسمى نجاح فوثب على نجا فضربه بالسيف فقتله.
وكان له قلوفح إقطاعا برسم مائدة رمضان.
وحُمل إلى ميافارقين ودُفن بها.