ثم هجم التتر البرج الذي فيه الملك الكامل فقاتلهم مَنْ فيه إلى أن قُتل أكثرهم، وأُخذ أسيرا، ومعه مملوكٌ له تُركيُّ يُسمى قراسُنقُر وقالوا له: نحن ما نقتلم، لأنّا لم نؤمر بذلك. وسلّموه إلى صاحب كنجْةَ وجعلوا في عنقه دوشاخ خشبٍ، وحُمل وأخوه الملك الأشرف إلى هولاكو فلقوه قريبا من سروج عائدا من الشام فاستحضر الملك الأشرف أولا، وقال: لأي معنى كنت معنا إلى أن كان الحصارُ فخرجت عنّا إلى أخيك وصرتَ معه؟.
وَلِمَ لا خرجت إلى ولدي؟ فقال: إنيَّ لم يكُن لي حُلمٌ، وإنما كان لأخي، وكنت تبعا له. فأمر بقتله، فقُتِل.
ثم أحضر أخاه الملك الكامل، فلما مثل بين يديه قال: إنه أنت تعلمُ سياسة المغل وما هم عليه، وإنهم إذا عمل أحدهم ثلاثة ذنوب يُعفى عنه، وفي الرابع يُقتل، وأنت: سقيتُك في همذان فما شربت؟ وأمرتك بهدم سور آمد وتُعطيها لرِكن الدين - صاحب بلاد الروم - ما فعلت! وقُلت لك: خُذ اخوتك، وأموالك وعساكرك والتقيني على بغداد حتى نُقاتل الخليفة فامتنعت!! والذنب الرابع: إني عبرتُ على بيوتك فلم تخرُج إليَّ، ولا سيّرت لي هدية ولا ضيافةً، ولا أبصرتَ وجهي حتى لا تموت.
فأجابه الملك الكامل: من أنت حتى أتحمل المشقة في رؤية وجهك؟! أنت ما لكَ قولٌ ولا دينٌ؛ بل خارجيٌ يجبُ عليَّ قتالك، وأنا خيرٌ مِنْكَ.
فقال هولاكو: بأي شيء أنت خيرٌ منيِّ؟ فقال: لأنني أؤمن بالله وبرسوله، ولي دينٌ وامانةٌ، ومع هذا فإن المُلك بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء. وكان لنا من عَدنٍ إلى تبريز، فذهب منا ذلك. وكذلك يفعل الله بك إذا أراد، يُرسلُ عليك مَنْ يقتلك، ويسبي ذرِّيّتك، ولا يترك من عسكرك أحداً.
فقال له: كلامك أكبر منك، لأنك من السّلاطين الصِّغار؟.
ثم وكزه بسيف كان في يده فخرق بطنه. وأمر سونجق فضرب عنقه وبعث برأسه إلى الشام، فطيف به في البلاد، وعُلّق على باب الفراديس بدمشق، فبقي مدة. ثم سرقه مجد الدين - إمام مسجد رُقيّة ودفنه في طاقٍ إلى جانب محراب المسجد. - رحمه الله -.
[ذكر ما لقي أهل ميافارقين م الشدة في الحصار]
لما ملك التتر ميافارقين وجدوا بها من العوام ثلاثةً وستين نفسا، ومن الأجناد اثنين وأربعين رجلا وافتخار الدين ياقوت السعدي. ونجم الدين مختار الخادم المظفري وبلغت الأسعار بالمدينة: القمحُ - المكوكُ بكيل ميافارقين - خمسة وأربعون ألف درهم.
والخبز - رِطلٌ، وهو سبعمائة وعشرون درهما - بستمائة درهم.
اللحمُ - من سائر أجناس الحيوان - الرطل بستمائة درهم.
واللبنُ الرطل بسبعمائة درهم.
والعسلُ الأوقية بستمائة درهم.
والبصلة بثلاثةٍ وخمسين درهما.
وأُبيعَ رأس كلبٍ بستين درهما.
وحكى المخبرُ بهذا أنه رأى بقرةً أيبعى لنجم الدين مخترا الخادم سبعين ألف درهم. واشترى الملك الأشرف رأسها وكوارعها بستة آلاف درهم وخمسمائة درهم. وعملها قريصا وأهداها لأخيه.
وبيعت أوقية السلق بستة دراهم.
وذكر أن رجلا يُدعى أبا بكر بن عبد الرحمن البزاز، اتُّهم أنه يطلبُ النزول إلى التتر فأمر الملك الكامل بشنقه. فشفع فيه حتى حُبس، ثم سُئل سنقر العلكاني وكان من وجوه الدولة أن يُشّفعَ فيه، فشرط على أهله شِبعَهُ.
فاشترى له من رجلٍ يدعى التقيُّ الرَّبضيُّ رطل خبز بسبعمائة درهم. وأُوقيتي عسلٍ بستمائة درهم. وأوقيتي سمنٍ بستمائة درهم. وعُمل له ذلك بسيسة. واشتُريَ له حجلتان وقعتا من صيد البر بثلاثمائة وخمسين درهم.
وأبيعت فروجان بسبعمائة درهم.
وأبيعت الجلود المصلوقة، الرطل بمائة وأربعين درهما. وأبيعت فجلةٌ بخمسة عشر درهما.
وبلغت بهم الحال إلى أنه من قويَ على صاحبه أكله.
كل ذلك وهم يحافظون على مَلكِهم. وكان ينزل إليهم كلَّ جمعة ويجتمع بهم في الجامع ويقول لهم: ليس الغرض من هؤلاء الجماعة كلهم غيري، دعوين أخرج إليهم وسلّموا البلد إليهم لتأمنوا على أنفسكم ومواليكم. فيقولون: معاذ الله أن نفارقك حتى تروح أرواحنا؟! ولما أُخذت ميافارقين ودخلوها التتر، جمعوا من بقي فيها من أعيان أهلها في الجامع، وهم: