ثم رتب السلطان فيها واليا. ورحل عنها في سابع عشر شوال. وأمر بعمارتها وتحصينها، والزيادة فيها. وحمل إليها الذخائر والسلاح. وجعل فيها أربعة وخمسين مملوكاً من مماليكه، وأقطعهم في بلد إقطاعاً. وقدّم عليهم الأمير علاء الدين كندغدي. وولى في قلعتها مجد الدين الطوري، وصير نيابته في بلدها إلى الأمير عز الدين أيبك العلائي. ثم لما توجه مولانا السلطان إلى الشام في جمادى سنة خمس وستين، في خفٍ من عسكره، استصحب معه أصحاب أصناف الصناعات. وقصد " صفد " فعمرّ الباشورة، وبنى فيها أبرجة، وأسواقاً، وخانات، وحمامات، فصارت بما أحدثه فيها من أحسن القلاع وأمنعها. وأطيب البقاع وأخصبها.
ولم تزل بيده إلى ان توفي في ثامن عشري المحرم من سنة ست وسبعين، فصارت إلى ولده الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة قان. واستمرت في يده الى أن خرج الملك عنه لأخيه الملك العادل سيف الدين سلامش ليلة الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وستمائة.
[هونين وتبين]
وهما حصنان منيعان بناها الفرنج بعد الخمسمائة وهما بين جبل عوف وبين بانياس وصور، فتحهما السلطان الملك الناصر - رحمه الله -.
نزل على تبنين في يوم الأحد ثامن عشر جُمادى الأُولى فنصب عليها المجانيق، وضيق عليهم بالزحف. وكان بها رجال أبطال مُشدَّدُون في دينهم، فأعانه الله عليهم. وفتحها يوم الأحد ثامن عشر من الشهر، وأسر منْ بقي بها بعد القتل. وفتح هُنين بعدها بقليل. وأنعم بهما على مجد الدين أحمد، وهو فخر الدين جركس، ثم استعادهما منه. وأنعم بهما على الأمير فخر الدين أياس جركس، فولى عليهما مملوكاً له يقال له " صارم قايماز ".
" وظلاَّ كذلك " إلى أن تسلمهما الملك المعظم شرف الدين عيسى صاحب دمشق في سنة سبع عشرة وستمائة، وأخربهما، وأقطعهما لأخيه الملك المغيث محمود.
واستمرا في يده إلى أن توفي، وملكهما ولدهُ الملك المغيث يوسف. وبقيا في يده إلى أن توفي في أيام الملك الأشرف في " حصن كيفا " في المحرم سنة ثلاثين وستمائة.
فصارا إليه، وبقيا في يده إلى أن توفي. فصارا إلى الملك الصالح عماد الدين إسماعيل، وبقيا في يده إلى أن أعطاهما للفرنج " سير فليت " في سنة ثمان وثلاثين وستمائة مع ما أعطاهم من الحصون فملكهما الفرنج، ولم يزالا بأيديهم إلى أن تسلمهما مولانا السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس في شوال أربع وستين وستمائة. ولم يبق لقلاعهما أثر غير البلاد، فإنها في يده إلى يومنا هذا، وهو تاريخ وضع الكتاب. والله أعلم.
[شقيف أرنون]
بنته الفرنج. وهو مطل على جبل مطل على بيروت، وصيدا. طوله ثمان وسبعون درجة وثلاثون دقيقة؛ وعرضه ثلاث وثلاثون درجة.
لم يتصل بعلمي فيما طالعته من الكتب من أمر هذا الحصن إلاَّ ما أنا ذاكره: وهو أن ضحاك بنّ جندل رئيس " وادي التيم " تغلَّب عليه، وأخذه من نواب الحافظ عبد المجيد صاحب مصر، يوم الجمعة لستّ بقين من المحرم سنة ثمان وعشرين وخمسمائة فسار إليه شمس الملوك إسماعيل بن تاج الملوك بوري فتسلمه.
ولم يزلْ بيده أخيه شهاب الدّين من بعده إلى أن سلّمه لفلك ملك الفرنج، في سنة أربع وثلاثين. ولم يزل بأيدي الفرنج إلى أن فتحه الملك الناصر صلاحُ الدّين يوسف، في خامس عشر شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين وخمسمائة، فأقطعه الأمير عز الدّين سياروخ.
فلم يزل إلى أن تغير الناصر على عز الدين سياروخ، فأقطعه الأمير فخر الدّين أياس جركس، ثم استعاده الملك الناصر منه لما تغير عليه، ثم أعاده إليه لما رضي عنه. فلمَّا صار في يده حصنه، وزاد فيه أبرجة.
ولم يزل في يده إلى أن توفي في سنة ثمان وستمائة، فأقطعه الملك العادل ولده الملك المغيث عمر، ولم يزل في يده إلى أن تُفي ودفن بسفح " قاسيون " في تربة أخيه الملك المعظم شقيقه، حياة والده الملك العادل في سنة ست وستمائة. فصار إلى ولده من بعده الملك المغيث محمود.
ولم يزل بيده إلى أن توفي في المحرم من سنة ثلاثين على " حصن كيفا " فصار إلى الملك الأشرف مظفر الدين موسى ابن الملك العادل صاحب دمشق، إذ ذاك، وبقي في يده، إلى أن تُوفي في المحرم سنة خمس وثلاثين وستمائة، فصار إلى الملك الصالح إسماعيل.